التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين 58 فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون 59 فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون 60}

صفحة 6607 - الجزء 9

  · المعنى: لما أمر بالتذكير وعَمَّ بَيَّن أنه خلق الجميع للعبادة، وأنه أراد منهم ذلك، فقال سبحانه وتعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» يعني الغرض في خلقهم تعريضهم للثواب، وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادات فصار كأنه خلقهم للعبادة.

  ومتى قيل: من المراد بالآية؟

  قلنا: المكلفون؛ لأنه تعالى خلقهم للعبادة، وما سواهم خلقهم لأجلهم، إما لنفعهم دينًا أو دنيا، ولكن لما كان ذلك تبعًا أطلق الكلام؛ لأن الغرض من الجميع العبادة والتعريض للثواب.

  ومتى قيل: فإذا خلقهم للعبادة فلماذا لا يعبدون؟

  قلنا: خلقهم ليعبدوا، والعبادة فعلُهم، وأزاح عللهم من القدرة والآلة والألطاف، وأمرهم بعبادته، فمن خالف فَمِنْ قِبَلِهِ أُتِيَ لا من قِبَلِ رَبِّه، وليس المراد أنه جعلهم على العبادة؛ إذ لو كان كذلك لما استحقوا ثوابًا، كما لا يستحقون الثواب على ألوانهم وهيئاتهم، وقيل: معناه ما خلقتهم إلا لآمرهم بعبادتي، وأنهاهم عن عصياني، عن علي #، ومجاهد، واختاره الزجاج. وهذا لا ينافي الأول؛ لأن غرضهم أن يأمرهم ويعبدوه، وقيل: ليقروا بالعبودية لي طوعًا أو كرهًا، عن ابن عباس. وقيل: خلقهم منقادين مستسلمين، وقيل: ليعرفوني، عن مجاهد. وقيل: ليطيعوني فأثيب العابد، وأعذب الجاحد، عن عكرمة.

  «مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ» أي: لا أُرِيد منهم رزقًا، وقيل: أدخل {مِنْ} بينها؛ لأنه لا يريد منهم رزقًا قلَّ أم كثر «وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ»؛ لأنه غني لا تجوز عليه الحاجة، وقيل: ما أُرِيدُ أن يرزق بعضهم بعضًا وأن يطعموا أنفسهم، بَيَّنَ أنه خلقهم للعبادة ولم