التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين 58 فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون 59 فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون 60}

صفحة 6608 - الجزء 9

  يكلهم إلى أنفسهم ولكن تكفل برزقهم «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ» لجميع خلقه «ذُو الْقُوَّةِ» ذو القدرة «الْمَتِينُ» القوي «فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا» قيل: كفروا، وقيل: عصوا ربهم فظلموا بذلك أنفسهم نصيبًا من العذاب وحَظًّا، عن الأخفش، والكسائي. وقيل: دلوًا، عن ابن عباس. وقيل: سبيلًا وطريقًا، عن مجاهد، وإبراهيم. وقيل: عذابًا، عن قتادة. والجميع متقارب، والمراد النصيب «مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ» أي: نصيب الكفار من الأمم الخالية؛ لأنه لا محاباة عنده، يجازي كل أحد بما يستحق «فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ» بالعذاب، فإنما أمهلوا للمصلحة ولا يفوتون «فَوَيْلٌ» قيل: عذاب، وقيل: هي كلمة مجملة المكروهة العظيمة «لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ» قيل: يوم القيامة، وقيل: يوم بدر.

  · الأحكام: تدل الآية أنه تعالى خلق الخلق، ومراده بخلق جميعهم العبادة؛ لأن هذه اللام دلالة للإرادة، يقال: بنيت هذه الدار لأسكنها، وخِطْتُ الثوب للبس، وسافرت للتجارة، ودخلت بغداد لطلب العلم، يوضحه أنه لو وضع الإرادة موضعها صح، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ: إنه أراد من الكافر الكفر، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه، وَزَّيفَ أبو علي الأقوال إلا قول من قال: إنه خلقهم، وأراد منهم العبادة؛ لأنه الظاهر المعقول من الآية، فأما من حمله على المؤمنين فتخصيص من غير دليل.

  ويدل قوله: {إِنَ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} أن الرزق لا يقدر عليه غيره تعالى.

  ويدل قوله: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أن كل ظالم له قسط من العذاب يناله.

  ويدل أن الظلم فعلُهم، وذلك يصحح قولنا في الوعيد، وخلق الأفعال.