التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونعيم 17 فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم 18 كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون 19 متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين 20 والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين 21 وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون 22 يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم 23 ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون 24}

صفحة 6618 - الجزء 9

  نقصنا أحدًا شيئًا من جزاء أعمالهم؛ بل نجازي كل أحد بكمال ما عمل، حتى لا يؤدي إلى الظلم. «كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كسَبَ رَهِينٌ» يعني كُلٌّ مرهون بعمله يؤخذ به «وَأَمْدَدْنَاهُمْ» أعطيناهم حالاً بعد حال، إشارة إلى أن نعيمهم لا ينقطع؛ بل يمده الله تعالى حالاً بعد حال، «بِفَاكهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا» قيل: يتعاطون ويتناولون على حرص منهم بها للذتها، عن أبي علي، وقيل: يسقي بعضهم بعضًا كأسًا ملئ من خمر «لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ» قيل: لا تذهب عقولهم فيلغوا، ويرفثوا، خلاف خمر الدنيا، وقيل: «لا لغو» أي: لا باطل، عن قتادة، وقيل: لا يرفث فيها، عن سعيد بن المسيب، وقيل: لا سباب فيها، ولا تخاصم فيها، عن ابن زيد. {وَلَا تَأْثِيمٌ} قيل: فِعْل ما يأثم به، قيل: لا يأثم شاربه، وهو «تفعيل» من الإثم، وقيل: لا كذب فيها، عن ابن عباس، وقيل: لا يُكَذِّب بعضهم بعضًا، عن الضحاك. «وَيطُوفُ عَلَيهِمْ» للخدمة «غِلْمَانٌ لَهُمْ» قيل: من ولدانهم وأطفالهم، يطوفون ليزدادوا قرة عين، وقيل: هم الحور العين، وقيل: أطفال المشركين.

  ومتى قيل: هل تلحقهم مشقة بتلك الخدمة؟

  قلنا: لا؛ بل يلتذون بها، وفي الآية إشارة إلى أن أحوالهم أحوال الملوك، وعن عائشة عن النبي ÷: «إن أدنى أهل الجنة منزلةً من نادى الخادمَ من خدامه فيجيبه: ألف لبيك لبيك».

  «كَأَنَّهُمْ» يعني الغلمان «لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ» أي: في الحسن والملاحة والصباحة كالدر المصون المخزون، وقيل: مكنون في الصدف، عن سعيد بن جبير، وروى الحسن قال: قالوا: يا رسول الله، الخادم كاللؤلؤ، فكيف بالمخدوم؟ فقال: «كالقمر ليلة البدر».