قوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى 19 ومناة الثالثة الأخرى 20 ألكم الذكر وله الأنثى 21 تلك إذا قسمة ضيزى 22 إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى 23 أم للإنسان ما تمنى 24 فلله الآخرة والأولى 25}
  وتألفه، وذلك أنهم وجدوا آباءهم وقومهم يعبدونها فمالوا إليه وألفوه «وَلَقدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى» البيان والأدلة الظاهرة، التي تهدي إلى الحق، وأنها ليست بآلهة، ولا يحق لها العبادة، وتلك الأدلة ما ركب في قلوبهم، ونصب من الأدلة، وما بين على ألسنة الرسل «أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى» يعني لهَؤُلَاءِ الكفار ما تمنوا، قيل: تمنوا أن الأصنام كانت آلهة، وليس كذلك، وقيل: تمنوا أن تشفع لهم عند الله تعالى، وظنوا ذلك، وليس كما ظنوا، وقيل: «أَمْ لِلإِنْسَانِ» يعني محمدًا له ما تمنى من النبوة والكرامة، فلا ينكروه «فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى» يعطي من يشاء، ويحرم من يشاء، لا وجه لاضطرابكم فيما أعطاه، عن ابن زيد.
  وقيل: «أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى» من نعيم الدنيا والآخرة؛ بل يفعله الله تعالى بحسب المصلحة، ويعطي الآخرة المؤمنين المستحقين دون الكافرين، عن أبي علي، وهذا هو الوجه؛ لأنه يشتمل على جميع ما قيل فيه، وإجراؤه على العموم، ودخل فيه جميع تمنيهم في الدنيا من الديانات والأموال، وتمنيهم النبوة، ودخل فيه نعيم الآخرة، وقيل: أم له ما تمنى، أن يفعل ما يشاء من غير جزاء، ليس كذلك، بل لله الآخرة والأولى، يثيب المطيع، ويعاقب العاصي، وقيل: ليس للإنسان أن يعتقد ما يتمنى، بل يجب أن يتبع الأدلة الصحيحة.
  · الأحكام: تدل الآيات على صحة الحجاج في الدين؛ لأن جميع ذلك حجاج مع الكفار.
  وتدل أن الظن في أصول الدين فاسد، والواجب العلم باتباع الأدلة، والتفكر فيها.
  وتدل أن المعارف مكتسبة.
  ويدل قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} أنه أزاح عللهم بالأدلة والبيان والتمكين، وإنما أُتُوا من قِبَلِهِم حيث أعرضوا، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ: إنه أضلهم، وخلق فيهم الكفر، وسلبهم قدرة الإيمان، ومنعهم منه.