التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى 31 الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى 32 أفرأيت الذي تولى 33 وأعطى قليلا وأكدى 34 أعنده علم الغيب فهو يرى 35}

صفحة 6659 - الجزء 9

  لا تزكوا أنفسكم بما ليس فيها، عن أبي علي، وهو أحسن ما قيل فيه، وقيل: هو تزكية النفس على جهة الاستطالة، فلا يجوز، فأما وصف النفس بما فيها على وجه التحدث بنعم الله، فيجوز عند أبي هاشم، «هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى» أي: هو أعلم بالحقائق، فالمتزكي من يزكيه هو، «مَنِ اتَّقَى» قيل: اتقى الشرك والكبائر، وقيل: عمل حسنته، وارعوى عن السيئة، عن علي #، وقيل: أخلص العمل، عن الحسن. «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطَى قَلِيلًا» أي: أعرض عن الدين، «وَأَعْطَى قَلِيلًا»، قيل: أنفق المال قليلاً، وقيل: أعطى الإيمان والطاعة «وَأَكْدَى» قيل: ثم قطع ذلك وأمسك، ولم يقم عليه، وقيل: قطع العطاء، عن ابن عباس، ومجاهد، وقيل: هو المنافق، يعطي قليلاً في الجهاد، ثم يمتنع «أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيبِ فَهُوَ يَرَى» قيل: أعنده علم الغيب فهو يعلم أن المؤمنين لا يظفرون بغنيمة، «ويرى» بمعنى يعلم، عن أبي علي، وقيل: أعنده علم المصالح، فهو يعلم أن البخل خير له، وقيل: أعنده علم الغيب أنه يعذب الفقراء بدل الأغنياء، وقيل: أَعَلِمُوا الغيب حتى زكوا أنفسهم بأن لهم الجنة.

  · الأحكام: تدل الآيات أن ما تقدم من الوعد والحسن موقوفة على اجتناب المعاصي، والفواحش على ما نقوله في الوعيد.

  ويدل قوله: «لِيَجْزِيَ» أن الثواب والعقاب جزاء الأعمال، فيدل أن الإحسان والإساءة حادثة من جهتهم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق وجزاء الأعمال.