قوله تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى 36 وإبراهيم الذي وفى 37 ألا تزر وازرة وزر أخرى 38 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39 وأن سعيه سوف يرى 40 ثم يجزاه الجزاء الأوفى 41 وأن إلى ربك المنتهى 42 وأنه هو أضحك وأبكى 43 وأنه هو أمات وأحيا 44 وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 وأن عليه النشأة الأخرى 47}
  والجزاء: المكافأة، ويقال: جزيته الجزاء، وجزيته بالجزاء، قال الشاعر:
  إِنْ أَجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ ... لَمْ أَجْزِهِ بِبَلَاءِ يَوْمٍ وَاحِدِ
  فجمع بين اللغتين، والجزاء والأجر من النظائر.
  والمنتهى: المصير إلى حيث ينقطع العمل عنده.
  وتمنى: تقديره مِنْ: مَنِيٍّ تُمْنَى فهو مانٍ: إذا قدر، ومنه: المنية؛ لأنها مقدرة.
  والنشأة: الصنعة المخترعة، أنشأ ينشيء إنشاءً: إذا ابتدع، وهما نشأتان: إحداهما خلقه الخلق في الدنيا، والثاني: الإعادة.
  · الإعراب: إنما قال: «وَازِرَةٌ»؛ لأنه ردها إلى النفس.
  «الْجَزَاءَ» نصب؛ لأنه المفعول الثاني، والمفعول الأول الهاء.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أنه يأخذ كل أحد بذنبه، خلاف ما قالوا، رَدًّا عليهم على ما تقدم، فقال - سبحانه -: «أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى» أي: لم يخبر بما في كتاب موسى، يعني أسفار التوراة «وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى» كتاب إبراهيم الذي وفى، قيل: فعل ما أمره الله على التمام من تبليغ رسالته، وبيان شرائعه، عن سعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد، وقيل: امتحن بذبح ولده، وإلقائه في النار، وتحمل الأذى من قومه، فوفى ما عليه من جميع ذلك، وقيل: وَفَّى في تبليغ الرسالة التي هي قوله: «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»، عن ابن عباس، ومجاهد، وقال ابن عباس: وكانوا قبله يأخذون القريب بذنب القريب، والجار بذنب الجار، فنهاهم إبراهيم عن ذلك، وبلغه عن الله تعالى: