قوله تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى 36 وإبراهيم الذي وفى 37 ألا تزر وازرة وزر أخرى 38 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39 وأن سعيه سوف يرى 40 ثم يجزاه الجزاء الأوفى 41 وأن إلى ربك المنتهى 42 وأنه هو أضحك وأبكى 43 وأنه هو أمات وأحيا 44 وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 وأن عليه النشأة الأخرى 47}
  ومتى قيل بالأول فجوابنا أن الضحك فعل العبد، ولذلك يتعلق به التكليف والمدح والذم، وقد وردت أخبار في مدح الباكين، وذم الضحك، وقال تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا}[التوبة: ٨٢] فأما البكاء فاسم لمجموع أمور: فالأنين وما يقف على قصد العبد فِعْلُهُ، وأما جريان الدموع فِعْلُ الله تعالى؛ لذلك لا يقف على اختياره، وقد يطلق على البكاء، وإن لم يكن ثَمَّ دمع، والصحيح ما قاله أبو علي.
  ويدل قوله: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} على وجوب البعثة لأهل الثواب والأعواض، لأن (على) كلمة إيجاب، فيبطل قول من قال: لا يجب عليه شيء.
  وتدل على الفناء؛ لأن النشأة الثانية لا تكون إلا بعد إفناء، وما يبقى لا ينتفي إلا بضد أو ما يجري مجرى الضد، فتدل أنه يفني الخلق ثم يعيده.
  ومتى قيل: كيف الخلاف لهم؟
  قلنا: منهم من يقول: الجواهر بعد وجودها لا تفنى، وينكرون الفناء، ومنهم من يقول: يعدمها الله، وهو قول أبي الحسين الخياط، ومنهم من يقول: لا يخلق فيه البقاء فتنتفي، عن أبي القاسم، ومنهم من يقول: يخلق فيها أكوانًا لا تفنى، فإذا عدمت لا يخلق فيها الأكوان، فتنتفي الجواهر.
  فأما الإعادة: فعندنا يوجدها الله تعالى لا بمعنى كما أوجدها أولًا، لا بمعنى، وعند بعضهم إلموجود يوجد بإيجاد، والمعاد يعاد لعلة هي الإعادة. وقولهم يؤدي إلى تسلسل المعاني.