التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى 36 وإبراهيم الذي وفى 37 ألا تزر وازرة وزر أخرى 38 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39 وأن سعيه سوف يرى 40 ثم يجزاه الجزاء الأوفى 41 وأن إلى ربك المنتهى 42 وأنه هو أضحك وأبكى 43 وأنه هو أمات وأحيا 44 وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 وأن عليه النشأة الأخرى 47}

صفحة 6665 - الجزء 9

  قلنا: ظاهر القرآن لا يترك لخبر واحد لا يعلم صحته، خصوصًا: إذا دل العقل على ما دل عليه القرآن؛ وذلك لأن الثواب نعم مع التعظيم، والتعظيم لا يجوز إلا للاستحقاق، والاستحقاق بفعله، والعقاب آلام يقبح به: إذا فعل به لفعل غيره، وكما لا يقطع أحد إلا السارق، ولا يجلد إلا الزاني، كذلك لا يعاقب إلا من أذنب.

  وتدل الآية على أنه تعالى يختص بالقدرة على الحياة والموت، والعقل يدل عليه أيضا، وكذلك خلق الزوجين، والنشأة الأخرى.

  أما الأحكام الشرعية:

  فتدل على أن من دخل عليه صلاة أو حج أو زكاة، ومات ولم يوص به، قال أصحابنا: إذا أوصى بالحج، فَحُجَّ عنه له أجر النفقة، ومنهم من قال: يلحقه الحج، وإذا أوصى فإنه يلحقه بالاتفاق؛ لأنه لما فعل بأمره كان كفعله بنفسه، وأجمع أصحابنا أنه وإن أوصى لا يُصَلَّى عنه، ولا يصوم، ولكن يكفر. وفي الحج يحج عنه كفعله بالاتفاق، وعن الشافعي: يصوم عنه وليُّهُ.

  وأما الدعاء فهو بمنزلة الشفاعة، ولأنه لما علمه ورباه، أمر بالدعاء له، بقوله: {رَبِّ ارْحَمْهُمَا}⁣[الإسراء: ٢٤] فهو بمنزلة ما لو أوصى به.

  ومتى قيل: أليس إذا أحرم، ثم أغمي عليه، فإنهم يوقفونه في المواقف، ويطاف به، وعند أبي حنيفة: إذا أغمي قبل الإحرام يحرم عنه رفقاؤه؟.

  قلنا: وجد الأمر منه من طريق العادة، فصار كما لو وجد نطقًا.

  فأما قوله: {أَضْحَكَ وَأَبْكَى} فحمله أبو علي على سببهما، وجعل الضحك والبكاء فعل العبد، وأما الحسن فحمل على نفس الضحك والبكاء على أنه خلق له تعالى.