التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر 6 خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر 7 مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر 8 كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر 9 فدعا ربه أني مغلوب فانتصر 10}

صفحة 6680 - الجزء 9

  الناس إلى الحشر، وقيل: بل الداعي يدعوهم إلى النار «إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ» أي: منكر غير معتاد، ولا معروف؛ بل منكر فظيع، لم يروا مثله، فأنكروه استعظامًا، وقيل: هو النار، وقيل: هو القيامة وأهوالها «خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ» أي: خاضعة، ووصف الأبصار بالخشوع؛ لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تتبين في بصره «يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ» من القبور سراعًا إلى الحشر «كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ» منبث جارٍ «مُهْطِعِينَ» مسرعين «إِلَى الدَّاعِ» يعني إلى إجابة الداعي، عن أبي عبيدة، وقيل: مقبلين إلى الداعي، عن قتادة. «يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ» أي: شديد، وقيل: ناظرين قبل الداعي قائلين: هذا يوم عسر، عن الفراء، وأبي علي، «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ» أي: قبل أهل مكة «قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا» نوحًا «وَقَالُوا مَجْنُونٌ» أي: هو مجنون «وَازْدُجِرَ» قيل: زجر بالشتم والرمي بالقبيح، عن ابن زيد، وقيل: زجر بالوعيد، وقيل: توعد بالقتل {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}⁣[الشعراء: ١١٦]، «فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ» ضعيف، غلبني هَؤُلَاءِ السفهاء «فَانْتَصِرْ» أي: فانتقم منهم بالنصرة.

  · الأحكام: يدل قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أنه ليس عليه إلا البلاغ، وليس عليه قبولهم، والجزاء على الله، وقد قال بعضهم: نسختها آية القتال، وليس فيه ما يوجب النسخ؛ لأن معناه: أعرض عن مكافأتهم فالله يكافئهم، أو أعرض عنهم استخفافًا بهم، فيكون تهديدًا لهم.

  ويدل قوله: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} أن البعث يكون لهذه البنية؛ لأنها في الأجداث، فإذا أحياها الله تعالى تخرج، فيبطل قول من يقول: إن البعثة على الأرواح.

  ويدل قوله: {فَدَعَا} أنَّه الواجب عند سماع القبيح من المبطل الانقطاع إلى الله ليكافئهم، وينتصر للمحق من المبطل.

  وتدل أن التكذيب فعلُهم.