التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {خلق الإنسان من صلصال كالفخار 14 وخلق الجان من مارج من نار 15 فبأي آلاء ربكما تكذبان 16 رب المشرقين ورب المغربين 17 فبأي آلاء ربكما تكذبان 18 مرج البحرين يلتقيان 19 بينهما برزخ لا يبغيان 20 فبأي آلاء ربكما تكذبان 21 يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان 22 فبأي آلاء ربكما تكذبان 23 وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام 24 فبأي آلاء ربكما تكذبان 25 كل من عليها فان 26 ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام 27 فبأي آلاء ربكما تكذبان 28 يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن 29 فبأي آلاء ربكما تكذبان 30}

صفحة 6719 - الجزء 9

  قلنا: فيه نعم:

  منها: أنه لطف للمكلف؛ لأنه لو عجل الثواب لصار مُلْجِئًا إلى العمل، ولما استحق الثواب، فجعل بينهما فاصلة؛ لتفعل الطاعة لحسنها، فتستحق الثواب.

  ومنها: أنه وصله إلى الثواب، وتنبيه على أن الدنيا لا تدوم.

  ومنها: أنه لطف للمكلفين من قدرته تعالى على الإفناء والإعادة.

  «يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» يعني تسأله الملائكة والجن والإنس وغيرهم حوائجهم منه لا غيره يأخذون منه «كُلَّ يَوْمٍ» كل وقت «هُوَ فِي شَأْنٍ» قيل: اليوم يومان، يوم هو الدنيا، ويوم هو الآخرة، وفي الدنيا يخلق وينشر، ويميت ويحيي، ويرزق الأحياء، ويأمر وينهى، ويغني ويفقر إلى غير ذلك من تدبير الله تعالى في خلقه، وفي الآخرة الثواب والأعواض، والتفضيل والعقاب، عن سفيان بن عيينة، وقيل: الشأن ما يفعله كل ساعة من موت وحياة، وصحة وسقم، وشباب وشيب، ونجاة وهلاك، وغنى وفقر، وعز وذل، وخصب وجدب، وسعة وقحط، وصيف وشتاء، وتغير أحوال في الدنيا، وعن النبي ÷ وقد سئل عن هذه الآية وما ذاك الشأن؟ فقال: «يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين»، وقيل: شأنه أن يجيب داعيًا، ويعطي سائلاً، ويفك عانيًا، ويشفي سقيمًا، ويغفر ذنبًا، ويفوت علي قوم، عن مجاهد، وعبيد بن عمير، وقيل: يخلق خلقًا، ويميت خلقًا، ويرزق خلقًا، عن الربيع بن أنس، وقيل: شأنه إيصال المنافع إليك، ودفع المضار عنك، عن أبي سليمان الداراني، فلا تغفل عن طاعته، ولا تغفل عن ترك معصيته «فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ».

  · الأحكام: تدل الآيات على عظيم قدرته في خلق آدم وذريته، والجان؛ لأن مَنْ خَلَق من طين حيًّا خصيمًا مبينًا ذا أعضاء وجوارح وحواس وجميع ما ركب الله تعالى في