قوله تعالى: {سنفرغ لكم أيه الثقلان 31 فبأي آلاء ربكما تكذبان 32 يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان 33 فبأي آلاء ربكما تكذبان 34 يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران 35 فبأي آلاء ربكما تكذبان 36 فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان 37 فبأي آلاء ربكما تكذبان 38 فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان 39 فبأي آلاء ربكما تكذبان 40 يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام 41 فبأي آلاء ربكما تكذبان 42 هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون 43 يطوفون بينها وبين حميم آن 44 فبأي آلاء ربكما تكذبان 45}
  والإنس، وذكرهما بعد هذا اللفظ تفخيمًا لشأنهما، وروي عن النبي ÷: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي» فجعلهما ثقلين إعظامًا لحقهما «فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» بالوعد أم بالوعيد.
  ومتى قيل: كيف عد الوعيد نعمة؟
  قلنا: لأنه زجر عن المعصية، ولطف في التكليف.
  «يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا» أي: إن قدرتم، ولم يقل: استطعتما؛ لأنهم جماعة «أَنْ تَنْفُذُوا» أي: تجوزون هاربين من العذاب، طالبين للنجاة، شبههم بالمخوفين «مِنْ أَقْطَارِ» أطراف «السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ» أي: لا تجوزون ولا تنجون من العذاب، وقيل: أراد إن استطعتم أن تعجزوا الله فافعلوا، فجعلهم عَجَزَةً عن تحصيل النجاة لهم.
  ومتى يقال هذا؟ قيل: يوم القيامة، عن أكثر المفسرين، وقيل: في الدنيا إن قدرتم أن تخرجوا من الأرض، وقيل: هاربين من الموت، عن الضحاك، فأخبر أنه لا نجاة لهم من الموت بوجه «إِلَّا بِسُلْطَانٍ» أي: حجة، وقيل: معناه إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا، ولن تعلموه إلا بسلطان أي: حجة، وقيل: معناه: إن استطعتم فبيِّنَة من الله تعالى، عن ابن عباس، والسلطان: قيل: الحجة، عن أكثر المفسرين، وقيل: لا تخرجون عن سلطاني، عن عطاء، وقيل: إلا إلى سلطان، كقوله: {وَقَدْ أَحسَنَ بِى}[يوسف: ١٠٠] أي: إليَّ، وروي أنه يحاط على الخلق بالملائكة والنار، ثم ينادون بهذا يوم القيامة. «فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» أي: بأي نعمه تكذبان، بإخباره تعجيزكم؛ لتختالوا لدفعه بعمل الطاعة واجتناب المعصية، أو إخباره إياكم أنكم لا تنفذون إلا بحجة لتستعدوا لذلك اليوم «يُرْسَلُ