التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم 1 له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير 2 هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم 3 هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير 4 له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور 5 يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور 6}

صفحة 6775 - الجزء 9

  «يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» فقدرته على المعدومات بالإيجاد، وعلى الموجودات بالتغيير والإفناء، وعلى أفعال العباد ومقدوراتهم بالإقدار عليه وسلب القدرة «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ» قيل: الموجود أولاً قبل كل موجود، والآخر بعد فناء كل شيء، يعني أنه قديم باقٍ، وقيل: أراد أن الأشياء كلها به ومنه، وهو الخالق لجميعها، كما يقال: فلان أول هذا الأمر وآخره، «وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ» قيل: الظاهر بأدلته، الباطن عن إحساس خلقه، وقيل: الظاهر على كل شيء بالقدرة، كقوله: {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}⁣[الصف: ١٤]، والباطن: العالم بكل شيء، عن ابن عباس، يقال: فلان من بطانته إذا كان من خواصه، يعلم باطن أموره، وقيل: العالم بما ظهر وبطن، وقيل: الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء، والظاهر والباطن بلا احتجاب، وقيل: الأول ببره إذ هداك، والآخر بجوده إذ قَبِلَ التوبة، والظاهر بإحسانه وتوفيقه، والباطن بستره: إذا عصيته، عن السدي، وقيل: الأول بالخلق، والآخر بالرزق، والظاهر بالإحياء، والباطن بالإماتة، عن ابن عمر، [وسأل عمر كعبًا] عن هذه الآية فقال: علمه بالأول كعلمه بالآخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن، «وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» موجودًا كان أو معدومًا «هُوَ الَّذِي خَلَقَ» أي: أنشأ على تقدير «السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» في مقدار ستة أيام لاعتبار الملائكة، فإنه يظهر شيئا بعد شيء، وقيل: في الإخبار عنه لطف لعباده، وحث على التأني في الأمور «ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ» قيل: العرش هو العرش المعروف في السماء، وقيل: العرش الملك، وقيل: العرش البناء، فمن قال العرش المعروف جماعة منهم أبو علي، اختلفوا في معنى الآية، قيل: الاستواءِ عليه، كونه قادرًا عليه، وخَلْقِهِ وإفنائه وتصريفه، قال البعيث:

  قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ

  وقال آخر: