التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير 7 وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين 8 هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم 9 وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير 10}

صفحة 6779 - الجزء 9

  · النزول: عن أبي سعيد الخدري أن قوله: {قَبْلِ الْفَتْحِ} نزل يوم الحديبية.

  وقيل: قوله: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} في أبي بكر الصديق، عن الكلبي؛ وذلك لأنه من السابقين إلى الإنفاق، فأسلم أولاً، وأظهر الإسلام، ودعا إليه، وقاتل على الإسلام، وأول من أنفق ماله في سبيل الله، فقدم إيمانه، ودامت صحبته، وكثر في باب الدين تأثيره حتى أقر القوم بالتقدم والسبق، وقدمه رسول الله ÷ في الصلاة، وصاهره على أم المؤمنين، وقدمه على أصحابه، وجعله وزيره وصاحب سره، وأنيسه سفرًا وحضرًا، ومدحه في مقاماته، وشكر له سعيه في الإسلام.

  · المعنى: ولما تقدم الأدلة على التوحيد عقّبه بالأمر بالإيمان وشكر النعمة، فقال - سبحانه -: «آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» أي: صدقوا الله فيما أوحى، وصدقوا رسوله فيما أدّى «وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ» أي: أنفقوا في سبيل الله في المال الذي خلفتم فيه غيركم بأن أورثكم إياه عمن كان قبلكم، عن الحسن. وقيل: ملككم ذلك المال «فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ» بالله ورسوله «وَأَنْفَقُوا» في سبيله «لَهُمْ أَجْرٌ» أي: جزاء وثواب «كَبِيرٌ» أي: عظيم دائم لا يشوبه ما ينغصه «وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ» معناه: أيُّ عذرٍ لكم يا أهل مكة في ترك الإيمان مع. دعاء الرسول ÷ وظهور المعجزات؛ أي: لا عذر «وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ» قيل: بما ركب في العقول وأقام من الحجج الداعية إلى الإيمان، فكأنه أخذ العهد والميثاق، وقيل: الفطرة الدالة على الصانع كالميثاق الموثق أي: ما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم إلى ما ركب الله في عقولكم من معرفة الصانع وصفاته، عن الأصم. وقيل: المراد به الشرعيات؛