التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير 7 وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين 8 هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم 9 وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير 10}

صفحة 6780 - الجزء 9

  لأنه علق الذم بترك الإيمان بعد دعاء الرسول، وذلك يختص بالشرعيات «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» قيل: إن كنتم ممن يرغب في الإيمان، عن أبي علي. وقيل: إن كنتم بحيث لو اتضحت الأدلة آمنتم، وقيل: إن كنتم تؤمنون يومًا من الأيام فآمنوا اليوم مع ظهور المعجز، وقيل: إن كنتم تؤمنون بحق، فبهذا فقد ظهرت أعلامه، ووضح برهانه «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ» قيل: ليخرجكم بالقرآن والأدلة والألطاف، وقيل: ليخركم الرسول بالدعوة، وقيل: ليخرجكم المنزل، والأول أوجه، «مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» قيل: من الضلال إلى الهدى، عن مجاهد. «وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» أي: لرأفته ورحمته يريد بكم طريق الفوز والنجاة، والرأفة النعمة على المضرور، والرحمة النعمة على المحتاج. «وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا» يعني: أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل البر المقربة إلى الله تعالى «وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» يفنى الخلق، ويبقَى هو.

  ومتى قيل: كيف يتصل هذا بالإنفاق، وما معناه؟

  قلنا: فيه وجوه:

  أولها: كيف لا تنفقون وقد علمتم أنكم تتركون هذه الأموال عن قريب، ويرثها الله، وتبقى لا مالك لها إلا هو.

  وثانيها: إشارة إلى أن الصدقة في سبيله إيثار للنفس، وفي إمساكه وتخليفه إيثار للغير.

  وثالثها: أنه إشارة إلى أنه مالك الأشياء، فيخلف عليكم جزاء ما أنفقتم.

  ورابعها: أنه إشارة إلى أن هذه الأموال تزول عنكم ويبقى لكم الخلف والمدح والذم.

  «لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ» في الفضل والثواب «مَنْ أَنْفَقَ» في سبيل الله «مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ» قبل فتح مكة، عن الحسن، وقتادة، وزيد بن أسلم، وأبي علي، والأصم، واختاره