التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون 16 اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون 17 إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم 18 والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم 19 اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور 20}

صفحة 6793 - الجزء 9

  عن أبي علي. أي: شهداء يوم القيامة، وقيل: هم من يشهد أن لا إله إلا الله «لَهُمْ أَجْرُهُمْ» جزاؤهم «وَنُورُهُمْ» في ظلمة القبر والقيامة «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ» أي: الملازمون النار، إشارة إلى دوام العقاب «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» كاللعب في الزوال والفناء «لَعِبٌ وَلَهْوٌ» فرح في الحال وينقضي، ويكون حسرة بعد التقضي «وَزِينَةٌ» منظر يتزينون به، وقيل: لأنه يتحلى في أعين الناظرين، ثم يتلاشى «وَتَفَاخُرٌ بَينَكُمْ» يفخر بعضكم مع بعض «وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ» يعني قسمتم هممكم بين لعب ولهو وزينة وهو طلب الملاذ وتفاخر، وتكاثر، وهو طلب المال، فكل ذلك إلى زوال، وإنفاق العمر في مثل ذلك جَهْلٌ وضلال.

  ثم بَيَّنَ المثل، فقال - سبحانه -: «كَمَثَلِ غَيثٍ» أي: سحاب، وقيل: مطر، عن أبي علي. وقيل: كمثل نبات أصابه غيث «أَعْجَبَ الْكُفَّارَ» الزرَّاع «نَبَاتُهُ» من حسنه، وقيل: بل المراد به الكفار؛ لأن مثلهم يركنون إلى الدنيا ويعجبهم حسنها، ولا يرون زينة الآخرة بخلاف المؤمن فإنه لا ينظر إلى زينتها، ويؤثر الآخرة عليها «ثُمَّ يَهِيجُ» أي: ييبس «فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا» من يبسه بعد خضرته «ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا» منكسرًا متفتتًا بحيث تكرهه الأبصار بعدما أعجبها «وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ» لِلْمُصِرِّين «وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ» للمؤمنين والتائبين «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»؛ لأنه يغتر بها لما يرى من حسن ظاهرها إذا لم يتفكر في عاقبتها، وخلاف باطنها لظاهرها، ومعنى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي: أعمالهم في جمعها وتحصيلها.

  · الأحكام: يدل قوله: {أَلَمْ يَأْنِ} الآية. على لزوم الحجة وإزاحة العلة، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والاستطاعة والإرادة، وكيف يصح أن يقال: ألم يأن أن يفعل، والفعل موقوف على خلقه وإرادته.