التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 21 ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير 22 لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور 23 الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد 24 لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز 25}

صفحة 6800 - الجزء 9

  ويدل قوله: {إِلَّا فِي كِتَابٍ} أن جميع ما ينال العبد مكتوب مقدر، فإذا علم العبد ذلك استسلم وهان عليه الأمر.

  وتدل على أنه لا ينبغي أن يتأسف على فائت، ولا يفرح بموجود لسرعة زوالها.

  وعن الصادق: (ياابن آدم، مالك تأسف على مفقود ولا يُرَدُّ إليك، وما لك تفرح بموجود لا يترك في يدك): وهذه الآية تدل على وجوب الرضا بالقضاء.

  وتدل على ذم التكبر والخيلاء والبخل والافتخار على الناس بأسباب الدنيا.

  ويدل قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا} أنَّه تعالى أنعم على عباده بنعم الدين والدنيا، وبَيَّنَ في هذه الآية وجوهًا:

  أوله!: إرسال الرسول ليهدي الخلق إلى مصالح دينهم، ويبيّن الشرائع، وبهم يتم أمر الدارين.

  وثانيها: إنزال الكتاب مع أنه معجز، ومتضمن للأحكام، وبه تتم النبوة.

  وثالثها: الميزان وهو آلة العدل والإنصاف والانتصاف.

  ورابعها: الحديد، وبه تتم جميع مصالح الدنيا والصناعات، وبه يتم الجهاد.

  ويدل قوله: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} أنَّه أراد من الجميع القسط.

  وتدل أن المسابقة والقسط والخيلاء فعل العبد.

  ومتى قيل: كيف اتصل ذكر الحديد بما تقدم، وما تأخر؟

  قلنا: قيل: لأنه لما ذكر النصرة، ومن الحديد تتخذ آلة الحرب.

  وقيل: لأنه عَدَّ منافعه دينًا ودنيا، فعد الحديد؛ لأنه من أعظم النعم لما فيه من المنافع.