قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون 26 ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون 27 ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم 28 لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 29}
  «إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ» قيل: معناه ما كتبناها عليهم ألبتة لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله، عن مجاهد. وقيل: ابتغوا بابتداع تلك الرهبانية رضوان الله، عن أبي علي. وقيل: ما كتبناها عليهم، ولكن لما دخلوا فيها أوجبنا ذلك ابتغاء رضوان الله، عن الحسن.
  ومتى قيل: كيف يتصل قوله: {وَرَهْبَانِيَّةً} و {إِلَّا ابْتِغَاءَ} بما قبله؟
  قلنا: قيل: تم الكلام عند قوله: {وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} ما كتبنا ذلك عليهم، لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله، فبدلوا ولم يفعلوا ما أمروا به، فعلى هذا «ابْتَدَعُوهَا» ذَمٌّ لهم.
  وقيل: {رَهْبَانِيَّةً} يتصل بما قبله أي أن فيهم رأفة ورحمة ورهبانية من عند أنفسهم لم يكتب الله ذلك عليهم؛ لكن لما دخلوا فيها وجب عليهم إتمامها ابتغاء رضوان الله، فلم يفعلوا، فعلى هذا «ابْتَدَعُوهَا» تكون مدحًا، والذم في قوله: «فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا» فيه قولان:
  إذا حملت الآية على أنه لم يكتب الرهبانية عليهم لكن كتب عليهم اتباع الملة فما رعوها يعني ما كتب عليهم من أمر الدين والملة، فتكون كناية عن غير مذكور، عن مجاهد.
  وإذا حملت على أن الرهبانية طاعة فما رعوها تلك الرهبانية، يعني ما حفظوا ذلك، عن أبي علي.
  وقيل: فما رعوا الملة حق رعايتها، لكن كفروا بعيسى، وتهودوا، وتنصروا، وشربوا الخمر، وأكلوا الخنزير.
  وقيل: «فَمَا رَعَوْهَا» أي: لتكذيبهم محمدًا ÷، فإن من آمن به فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يؤمن به فأولئك هم الهالكون، في خبر مرفوع.