قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون 14 أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون 15 اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين 16 لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 17 يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون 18 استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون 19}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أحوال المنافقين، فقال - سبحانه -: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا» يعني المنافقين تولوا اليهود «غَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ» أيها المؤمنون «وَلاَ مِنْهُمْ» يعني اليهود، ولأنهم كانوا يظهرون الإسلام، ويوالون اليهود «وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» قيل: يحلفون للنبي والمؤمنين أنهم منهم، وهم يعلمون كذبهم، وفعل القبيح مع العلم بقبحه أعظم، وقيل: يحلفون لليهود أنهم إنما أسلموا خوفًا من المسلمين لا تحقيقًا في الدين، لا جرم «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا» قيل: هو عذاب النار، وقيل: عذاب القبر في الدنيا، عن أبي علي. وقيل: أحد العذابين في القبر، والآخر عذاب جهنم «إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي: بئس العمل عملهم وهو النفاق، وموالاة أعداء اللَّه، وقيل: بئس ما عملوا إذا حلفوا كذبًا، وقيل: هو يتصل بما قبله أي: ساء ما يعملون «اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ» الكاذبة «جُنَّةً» أي: وقاية لهم عن السبي والقتل «فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» قيل: أعرضوا عن الدين، وقيل: صدوا غيرهم بإلقاء الشبه «فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ» يهينهم ويذلهم، وقد بينا ما قيل في العذابين المذكورين «لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ» يوم القيامة من عذاب الله شيء من «أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ» الَّذِينَ عصوا لأجلهم ولسببهم لن ينفعهم ذلك «أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ» الملازمون لها «هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» دائمون «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا» من القبور أحياء «فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ» قيل: يحلفون أنهم لم يكونوا كفارًا عند أنفسهم؛ لأن دار الآخرة لا يمكنون فيها من الكذب، عن أبي علي، وجماعة من مشايخنا. وقيل: يجوز أن يحلفوا في الآخرة كذبًا ككذب الصبي للدهش الذي يلحقهم، عن أبي بكر أحمد بن علي. وقيل: يحلفون في الآخرة أنهم كانوا في الدنيا من المؤمنين، وظنوا أن ذلك يجوز ثم كما في الدنيا، عن الحسن، والأصم. «وَيَحْسَبُونَ» يظنون «أَنهُمْ عَلَى شَيءٍ» قيل: يحسبون في