التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير 6 ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب 7 للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون 8 والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون 9 والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم 10}

صفحة 6853 - الجزء 9

  ثم ثَلَّثَ بالتابعين، فقال - سبحانه -: «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ» قيل: من أسلم في أيام الرسول، وقيل: هم التابعون بإحسان إلى يوم القيامة، عن الحسن. وعليه تأوله عُمر لما وضع الخراج على السواد ولم يقسمها، وقال: إذا قسمت بينكم فماذا يكون لمن بعدكم؟

  ثم وصفهم، فقال - سبحانه -: «يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا» قيل: غشًا للبعض، وقيل: خيانة، سألوا الله أن يزيل ذلك بلطفه، وقيل: بل هو استعاذة من الشيطان؛ لكي لا يوسوس، فيضعف قلوبهم على السلف، كما فعل بالخوارج والروافض، «رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ».

  · الأحكام: الكلام في هذه الآية على ثلاثة أوجه:

  أولها: دلالات الآية.

  وثانيها: حكم الفيء والغنيمة.

  وثالثها: كيف يقسم ذلك.

  أما الأول: فتدل على أشياء:

  منها: أن ما رجع على رسول الله ÷ من دون محاربة من بني النضيروغيرهم يختص به الرسول لذلك قال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}، وقال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}، والمروي عن عمر أن أموال بني النضير كانت مما أفاء اللَّه على رسوله، وكانت له خاصة، ينفق منها على أهله، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح، وذكر الزهري أيضًا أن ذلك كان لرسول الله ÷، وذكر أن فَدَكَ كانت خاصة له، وكان تجري على ما قدمنا، ولما ادّعت فاطمة أنها نِحْلَةٌ، ولم يكن بينة، أجراها أبو بكر وعمر على ما كان يجري في زمن النبي ÷.