التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد 6 عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم 7 لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين 8 إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون 9}

صفحة 6877 - الجزء 9

  فأما قوله: {لَا يَنْهَاكُمُ} الآية:

  قيل: نزلت في قوم من خزاعة عاهدوا رسول الله ÷ ألّا يقاتلوا، ولا يعينوا عليه عدوًّا.

  وقيل: نزلت في أسماء بنت أبي بكر قدمت أمها قتيلة بنت عبد العزى المدينة، وهي مشركة، ومعها هدية أهدت إلى أسماء، فأبت أسماءُ قبولَها، وأن تدخل بيتها، فسألت عائشة عن ذلك رسول اللَّه، فأنزلت الآية، فأذنت لها في الدخول، وقبلت هديتها، عن عبد الله بن الزبير.

  وقيل: نزلت في قوم من بني هاشم، منهم العباس، عن عطية العوفي.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما يجوز فعله بالكفار وما لا يجوز، فقال - سبحانه -: «قَدْ كَانَ لَكُمْ» أيها المسلمون «فِيهِمْ» أي: في إبراهيم والأنبياء والمؤمنين على ما تقدم «أُسْوَةٌ» قدوة «حَسَنَةٌ» قيل: حسنة من حيث توجب الثواب، وقيل: لأنها موعظة في نهاية الصلاح.

  ومتى قيل: لِمَ كرر «ذلك»؟

  قلنا: في الأول أمر بالاقتداء به في البراءة من الكفار، وفي الثاني أمر بالاقتداء به في التوكل عليه، فلم يكن تكرارًا.

  وقيل: تأكيدًا لقطع المعتاد من موالاة الأقارب.

  وقيل: الأول في المعاداة، والثاني في رجاء ثواب الله.

  وقيل: أَمْرٌ بعد أمر في وقتين، فلا يكون تكرارًا؛ لأن التكرار ما يكون في وقت واحد، عن أبي علي.

  «لِمَنْ كَان يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ» أي: يرجو ثوابه ورحمته، ويرجو الثواب في الدار الآخرة، وقيل: يؤمن بِاللَّهِ واليوم الآخر، وإنما خص هَؤُلَاءِ؛ لأنهم يتحملون