التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد 6 عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم 7 لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين 8 إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون 9}

صفحة 6878 - الجزء 9

  المشاق في التكليف ويقطعون العلائق بين الأقرباء «وَمَن يَتَوَلَّ» أي: يعرض عن طاعة الله، وقيل: يعرض عن اللَّه، فلا يرجوه «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» لا يحتاج إلى شيء، الحميد: المنعم على من يطيعه ويعصيه، وقيل: المحمود في جميع أفعاله «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَينَكُمْ وَبَينَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً» قيل: ليجعل، و «عسى» من الله واجب، وقيل: كونوا على رجاء من ذلك، وطمع فيه، وقيل: تلطف حتى يسلموا، وتحصل بينكم المودة أيها المؤمنون، وبين الَّذِينَ عاديتم من أهل مكة مودة بالإسلام، وكان ذلك حين أسلم كثير منهم، وقيل: صار بينه وبينهم وصلة، فتزوج رسول اللَّه ÷ بأم حبيبة، وصاروا مَوَالِيَ له، عن ابن عباس. وقيل: زوجها منه النجاشي، وأمهرها أربعمائة دينار، وساق إليها مهرها «وَاللَّهُ قَدِيرٌ» أن يعاقبكم إن واليتم، وقيل: قدير بأن يلطف حتى يظهر المودة «وَاللَّهُ غَفُورٌ» يغفر الذنوب إذا تابوا ويدخلهم الجنة.

  «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ» قيل: من أهل مكة، عن مجاهد. وقيل: هي عامة في كل من كان بهذه الصفة «أَنْ تَبَرُّوهُمْ» أي: تحسنوا إليهم بالأموال والعشرة «وَتُقْسِطُوا إِلَيهِمْ» أموالهم أي: تعدلوا فيهم، وفي معاملتهم، وقيل: القسط النصيب الذي تعطونهم قسطًا وحظّا من مالكم وطعامكم «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» قيل: العادلين، وقيل: يحب الَّذِينَ يعطون جيرانهم والمحتاجين حظًا من مالهم، عن أبي علي. «إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ» أي: ينهاكم عن موالاة من قاتلكم لأجل الدين، ومخالفته إياكم في التوحيد والعدل «وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ» أي: آذوا المسلمين، وبلغوا في ذلك الغاية حتى أخرجوهم من ديارهم؛ أي: أخرجوهم من ديارهم الخروج، فخرجوا «وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ» أي: عاونوا، وهم العوام والأتباع عاونوا الرؤساء على الباطل وعلى أذى المسلمين «أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ» أي: يواليهم ولا يقطع العلائق «فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» قيل: