التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين 6 ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين 7 يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون 8 هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون 9}

صفحة 6901 - الجزء 9

  عنده؛ لأنه لا لطف لهم، عن أبي مسلم. «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا» اللام في «لِيُطْفِئُوا» لام (كي)، أو بمعنى (أن)، تقديره: يريدون أن يطفئوا «نُورَ اللَّهِ» يعني هَؤُلَاءِ الكفار يريدون أن يبطلوا أدلة الله وحججه بقولهم، ونوره: أدلته، وإطفاؤُه: إبطالُهُ، وقيل: هم كمن أراد إطفاء نور الشمس بِفِيهِ، فكما لا يتم له ذلك كذلك من أراد أن يبطل دينه، عن أبي علي. «بِأَفْوَاهِهِمْ» قيل: بما يقولون ويفترون، وقيل: يرومون ذلك، يعني حجة، فهو كلام يخرج من فيهم لا معنى له «وَاللَّهُ» عزيز لا يُغَالَبُ «مُتِمُّ نُورِهِ» أي: مظهر كلمته ومؤيد نبيه ومعلن دينه «وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» وذلك إشارة إلى تكفله بنصرة الحق، فلا يصل أحد إلى نقضه «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ» قيل: الهدى: الإيمان، ودين الحق: الشرائع، وقيل: الهدى: الدلالات، ودين الحق: الإسلام، عن أبي علي. «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» قيل: ليظهر الرسول الدين وليحكم به دون سائر الأديان؛ وقيل: ليظهر الله الدين على سائر الأديان، أي: يوليه حتى يغلب الكل، وأراد جنس الأديان؛ لذلك أدخل الألف واللام، وقيل: أراد بالظهور الغلبة بالحجة، ولهذا نهض المسلمون على سائر الأديان، فأبطلوها، فأما الغلبة فقد تكون لنا، وقد تكون لهم، وقيل: أراد بالظهور للاستعلاء والغلبة، وهم وإن غلبوا أحيانًا فالعاقبة للمسلمين؛ ولذلك تواتر فتوحهم وظهر دينهم، وقيل: الظهور يكون بثلاثة أشياء: بالحُجَّةِ، والغلبة، أو عند نزول عيسى #، وقيل: الأديان المشهورة: اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وعباد الأصنام، والمسلمون غلبوا على جميعهم، وقيل: سيظهر حتى لا يبقى أحد إلا أن يسلم أو يقبل الجزية «وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» ظهور الإسلام، والمشرك اسم عام، يقع على كل كافر.

  · الأحكام: تدل الآيات على أن عيسى # صَدَّقَ التوراة كما صَدَّقَ نبينا، وذلك لوجهين: