التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين 6 ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين 7 قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون 8}

صفحة 6922 - الجزء 10

  جنس القول، عن أبي علي، والقاضي. وقال أبو هاشم: معنى في النفس يوافق هذا القول.

  · النزول: قيل: لما قالت اليهود: نحن أبناء الله وأحباؤه، ولنا الجنة دون الناس أنزل الله تعالى فيهم هذه الآية: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ}.

  · المعنى: لما تقدم ذكر اليهود في إنكارهم ما في التوراة أمر نبيه أن يخاطبهم بالمُفْحِمِ، فقال سبحانه: {قُلْ} يا محمد {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} قيل: سموا يهودًا للنسبة إلى يهودا، وقيل: لقولهم: «إنا هدنا إليك»، وعلى أن كان فقد صار في الشرع اسمَ ذمٍّ كالشرك والكفر والنفاق ونحوه. {إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ} وأن لكم الجنة {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: قولوا: «اللهم أَمِتْنَا»، وقولوا: «ليتنا متنا»، إن كنتم صادقين فيما زعمتم؛ لأنه يوصلكم إليه، ومن علم يقينًا وصوله إلى الجنة فليس. شيء خيًرا له من ذلك، يقع في نعيم دائم، ويستريح من غموم الدنيا. {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من الكفر والمعاصي، وقد قال النبي ÷: «لو تمنوا لماتوا عن آخرهم». وقيل: لم يتمنوا لعلمهم بأنهم كاذبون. وقيل: لعلمهم بصحة نبوتة وصدقه.

  ومتى قيل: كيف نفى، ولعلهم يتمنون بقلوبهم؟

  قلنا: التحدي بما ظهر باللسان؛ لأن أحدًا لا يتحدى بما لا يُعْلَمُ ولا يُدْرَك، وهذا كما لو قال لعبده: «أنت حر إن شئت»، فالمشيئة وإن كانت معنى في القلب فالحرية موقوفة على ما يظهر باللسان.

  ومتى قيل: هل تمنوا؟

  قلنا: علموا أنهم لو تمنوا لافتضحوا، ولولا ذلك لكان تمنيهم في تكذيبه أبلغ من تصريحهم في التكذيب، ولأن النبي ÷ لو لم يكن على ثقة لَمَا دعاهم إلى شيء لو أظهروه