التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين 6 ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين 7 قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون 8}

صفحة 6923 - الجزء 10

  لظهر كذبه، فكان ÷ على ثقة من أمره، وهم أيضًا يعلمون، فصار هذا معجزة له.

  {قُلْ} يا محمد {إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} يعني أنكم تكرهون الموت لمكان معاصيكم، وذلك الموت لا بد يأتيهم، وإنما يتقدم ويتأخر بحسب المصلحة. {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي: جزائه. وقيل: إلى الموضع الذي يحكم بينهم، وهو يعلم السر والعلانية فيجازيهم {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قيل: يخبركم بأفعالكم، وقيل: يجازيكم.

  ومتى قيل: كيف يصح الرد والحكم لله أولاً وآخرًا؟

  قلنا: الحكم كله للّه؛ إلا أنه جعل ذلك إلى العباد في الدنيا، وبالموت ينقطع ذلك، وجميع ذلك كله إليه، وهذا تَوَسُّعٌ في الكلام.

  · الأحكام: تدل الآيات على معجزات لنبينا، ÷:

  أحدها: ما تحداهم به فلم يفعلوا.

  وثانيها: إخباره عن ضمائرهم فكان كما أخبر.

  ويدل أن مَنْ فَعَلَ المعصية يكره الموت، ويوجب الخوف؛ ولذلك كان كثير من العلماء يتمنون الموت ولا يخافون حتى روي عن علي بن أبي طالب: ما أبالي سقط عليَّ الموت أم سقطت على الموت، وكان سفيان الثوري يتمنى الموت.

  وقد اختلف العلماء فيه، فمنهم من كره تَمنِّيَ الموت، ومنهم من لم يكره.

  وقد روي عن النبي ÷ قال: «لا يتمنَّ أحدكم الموت، فإن كان محسنًا فإن يَعِشْ يزدد خيرًا فهو خير له، وإن كان مسيئًا فلعله أن يستعتب». وروي أنه كان يقول: «اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرًا لي، وأمتني إذا كانت الوفاة خيرًا لي»، فمن كره إنما تَمَنِّيهِ مطلقًا، ومن تمنى إنما تمنى لهذا الشرط.