التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين 11}

صفحة 6934 - الجزء 10

  وذكر أبو مسلم أنها نزلت في المنافقين، وإنما لم يسمهم لما جرى من ذكرهم في القرآن، ولعلم المخاطب بها.

  وقال شيخنا أبو علي: كانوا من المسلمين، قدم عير لهم فيها بضاعة، فتسارعوا إليها، فعاتبهم الله تعالى.

  فأما ما يروى أن قليلاً منهم بقي فبعيد؛ لما ثبت من تحقيق الصحابة في الدين، وسددهم فيه، [وكل ما] روي أخبار آحاد، وليس في الظاهر إلا خروج قوم، ثم يحتمل ما قاله شيخنا أبو علي، ويحتمل ما قاله أبو مسلم.

  · المعنى: ثم ذم من تخلف عن الجمعة لتجارة أو لهو، فقال سبحانه: «وِإذَا رَأَوْا» قيل: عاينوا، وقيل: علموا «تِجَارَةً» بيعًا أو شراء «أَوْ لَهْوًا» قيل: الطبل، عن مجاهد، وروي عن جابر أن جماعة مروا بطبل في نكاح، فخرجوا، وقيل: المزامير، عن جابر. «انْفَضُّوا إِلَيهَا» أي: تفرقوا وخرجوا إليها «وَتَرَكُوكَ قَائِمًا» قيل: تخطب على المنبر، وقيل: قائمًا في الصلاة «قُلْ» يا محمد «مَا عِنْدَ اللَّهِ» من الثواب، ونعم الدنيا والآخرة «خَيرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيرُ الرَّازِقِينَ» أي: المعطين، قيل: لأنه يعطي، ولا يَمُنُّ، وقيل: يعصى، ولا يحرم الرزق، وقيل: يتفضل بالرزق الكثير، ويرضى بالشكر اليسير.

  · الأحكام: تدل الآيات على أشياء:

  منها: تحريم الاشتغال بشيء عند الخطبة، ووجوب الاستماع.

  ومنها: على قبح اللهو، فأما التجارة فهي مباحة؛ إلا أنها محرمة عند خطبته.

  ومنها: أن الإنسان ينبغي أن يتوفر على أعمال الآخرة، ويتوكل في الرزق على الله تعالى، وإن اشتغل بسببه ففي وقت لا يجب فرض، ولا شبهة أن هذه القصة لم تقع من كبار المهاجرين والأنصار مع ما علم من عاداتهم، فإما أنه وقع من قوم عوام على ما قاله أبو علي أو قوم منافقين على ما قاله أبو مسلم.