التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون 9 وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين 10 ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون 11}

صفحة 6948 - الجزء 10

  ولم يحج ولا أدى زكاة إلا تمنى الرجعة ويقول: {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} ولن يجاب إليه».

  «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا» يعني أعمار الخلق مكتوبة فلا تتقدم ولا تتأخر، فالواجب ألا يتكل المرء في تلافي ما فاته على عمره، والإنسان يهمل أوقاتًا كثيرة، ثم يتمنى مدة يسيرة لاستدراك ما فاته.

  ومتى قيل: ألا يجوز أن يعادوا؟

  قلنا: إذا اضطروا إلى المعرفة لا تجوز الإعادة؛ لأنهم يكونون ملجئين، وإن لم يكن كذلك فهو بمنزلة الانتباه، فيعودون إلى ما كانوا؛ فلذلك قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا}⁣[الأنعام: ٢٩] «وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» أي: عليم بأعمالكم يجازلكم بها.

  · الأحكام: يدل قوله: «لَا تُلْهِكُمْ» أن أفعال العباد حادثة من جهتهم؛ لأنها لو كانت مخلوقة لله تعالى لكان الله يلهيهم فلا يصح قوله: «لَا تُلْهِكُمْ» وكذلك قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وهو يدل على أن الفعل لهم.

  ويدل قوله: {وَأَنفِقُوا} أن في المال حقًّا يجب إخراجه قبل حصول الحسرة.

  وتدل على أن الرزق لا يكون حرامًا؛ لأن الإنفاق من الحرام محظور.

  ويدل قوله: {فَأَصَّدَّقَ} الآية على أشياء:

  منها: أن الفعل فعلهم؛ لأنها لو كانت خلقًا له تعالى لما كان لسؤالهم الرجوع ليتصدقوا معنى.

  ومنها: أنهم يقدرون على ذلك، لولا ذلك لتمنوا القدرة، وكيف يسألون الرجعة ليفعلوا ما فرطوا، وليس إليهم شيء من ذلك، ولا قدروا عليه.

  ويدل قوله: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ} الآية أن الأجل واحد؛ لأنه لا يتقدم ولا يتأخر، وهو ما علم الله تعالى أنه يموت فيه، أو يقتل.