قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 213}
  كاختلافهم في القبلة، فهدانا إلى الكعبة، واختلافهم في الصوم فهدانا لشهر رمضان، واختلافهم في الشرائع فهدانا إلى الحق والإسلام، واختلافهم في الأنبياء فهدانا بمحمد، أي دلهم عليه «بِإِذْنِهِ» قيل: بعلمه وهو مشهور في اللغة، عن الزجاج وغيره، وقيل: بلطفه فلا بد فيه من حذف كأنه قال: هداهم فاهتدوا، عن أبي علي «وَاللَّه يَهْدِي مَنْ يشاءُ» فيه ثلاثة أقوال: قيل: المراد به البيان والدلالة، خص به المكلفين دون غيرهم، عن أبي علي، وقيل: يهدي إلى طريق الجنة، خص به المؤمنين، وقيل: هداهم باللطف فيكون خاصًّا لمن يعلم أنه يصلح به، عن أبي بكر أحمد بن علي «إِلَى صِرَاطٍ مُستقيم» إلى طريق واضح، قيل: الإسلام، وقيل: طريق الجنة.
  · الأحكام: الآية تدل على بطلان قول أصحاب المعارف؛ لأنها لو كانت ضرورية لكان الناس أمة واحدة، ولما صح الاختلاف.
  وتدل على بطلان القول بالجبر؛ لأن بعثه الأنبياء إليهم توجب صحة انتقالهم من الكفر إلى الإيمان، قال أبو علي: المراد به الخصوص، ولأن كل زمان لا بد فيه من شهداء يقومون بالحق وإن قلوا، ولكن لما قل عددهم وغلب الكفر جاز هذا الإطلاق، وقال القاضي: إن ثبت أن في كل زمان من قائل بالحق على ما يذهب إليه أبو علي فما ذكره واجب، ولم يثبت ذلك.
  وتدل الآية على أنه يجوز أن يكون الناس كلهم كفارًا ليس فيهم قائل بالحق، فأما في شريعتنا فلا يجوز؛ لأنه يثبت بالسمع أنه لا تخلو الأرض من قائلين بالحق لما ثبت أن إجماعهم حجة.