قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 213}
  بعد أن أوتوا، فأما الَّذِينَ اختلفوا فيه يعني محمدًا ÷ ودينه، والَّذِينَ أوتوه اليهود والنصارى، وقيل في البشارة التي في كتبهم، وقيل: في المعجزات، عن الأصم، والَّذِينَ أوتوه قيل: أعطوه قيل: سائر الكفار، وقيل:
  علماء أهل الكتاب.
  ومتى قيل: إذا اختلفوا في الحق فأصاب بعضهم كيف عمهم بالكفر؟
  فجوابنا: كَفَرَ بعضهم بالتقصير، وبعضهم بالغلو، كما كفرت اليهود بالتقصير في أمر عيسى #، وكفرت النصارى بالغلو، وقيل: كفر بعضهم بكتاب بعض، عن الفراء. وقيل: حرفوا وبدلوا، وإن اختلفوا «مِنْ بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيَّنَّاتُ» الحجج الواضحة، وقيل: التوراة والإنجيل، وقيل: معجزات محمد ÷ «بَغيا بَينَهُمْ» أي ظلمًا وحسدًا وطلبًا للباطل «فَهَدَى اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ» قيل: هداهم إلى الدين بالبينات والأدلة، وخص المؤمنين؛ لأنهم اختصوا بالاهتداء، وقيل: إلى الثواب وطريق الجنة، وذلك يختص بالمؤمنين، وقيل: هداهم إلى الحق بالألطاف لما علم أن لهم لطفًا يصلحون عنده، ومن عداهم فليس له ذلك، وهذا أقرب الأقاويل، وقيل: هداهم فاهتدوا أي استحقوا اسم الهدى والإيمان، وتقديره: لما اختلفوا صار الهدى مع المؤمنين. الَّذِينَ اهتدوا بهدى اللَّه، عن أبي مسلم.
  ومتى قيل: لم قال هداهم لما اختلفوا، ولم يقل: هداهم للحق فيما اختلفوا؟
  فقدم الاختلاف؟
  قلنا: لأنه لما كانت العناية بذكر الاختلاف أهم بدأ به، ثم فسره بمن هداه، وقيل: هو من المقلوب أي فهداهم للحق فيما اختلفوا فيه، وقيل: فهداهم إلى الحق فيما اختلفوا كقوله: {هَدَانَا لِهَذَا} أي إلى هذا، وقال ابن زيد: هذا