التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب 214}

صفحة 864 - الجزء 1

  آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّه» قيل: هو استعجال للموعود كما يفعله الممتَحَن، وهذا فيمن يعلم اللَّه تعالى أن إنزال النصرة لطف له «أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّه قَرِيبٌ» قيل: كلاهما من كلام النبي ÷ والمؤمنين ثقة بالنصرة، وتسكينًا لقلوبهم قالوا: متى نصر اللَّه؟، ثم قالوا: نصره قريب، عن أبي مسلم. وقيل: ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة، وتفصيله: وقالوا - يعني المؤمنين -: متى نصر اللَّه؟ فقال الرسول: قريب، كقوله: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، يعني لتسكنوا في الليل، وتبتغوا من فضله بالنهار، وقيل: الأول كلام النبي ÷ والمؤمنين، والثاني كلام اللَّه تعالى تقديره: قال الرسول والمؤمنون: متى نصر اللَّه؟ فقال اللَّه تعالى: نصره قريب، فهو وعده تعالى بقرب النصر، عن الأصم وأبي علي.

  · الأحكام: الآية تدل على قولنا في اللطف؛ لأنه تعالى نَبَّهَ أن دخول الجنة لن يقع إلا مع العلم بنبأ مَنْ قبلنا، ومع البأساء والضراء فينا.

  وتدل على وجوب الصبر في أمور الدين والدنيا.

  ومتى قيل: إذا كان فعل الأعداء قبيحًا فكيف يجب الصبر عليه؟

  قلنا: يجب الصبر عنده لوجوه:

  منها: أن يكون لطفًا للمسلم أن يتذكر شدائد الآخرة، وأحوال الزبانية، فيدعوه ذلك إلى اجتناب المعصية، والتمسك بالطاعة.

  ومنها: أن التخلية قد تكون لطفًا، والمنع مفسدة، فإذا لم يمنع علم أنه تعالى يراعي مصلحته، فيصبر على التخلية.

  ومنها: إذا صبر وتحمل الشدائد في مقابلة ما يأتيه العدو، استحق الثواب، فتدل الآية على وجوب الانقطاع إلى اللَّه تعالى في جميع الأحوال، وتوقع النصر.