قوله تعالى: {ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير 18 أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير 19 أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور 20 أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور 21 أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم 22 قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون 23 قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون 24}
  «أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ» هذا معطوف على قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} من جند الله أن يتزل عليكم عذابًا أم لكم جند «يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ» قيل: منعة، عن ابن عباس. فيمنع عنكم من عذاب الله، فلما لم يكن لهم ذلك كان هذا إنكارًا، أي: ليس لهم ما يمنع العذاب عنهم «إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ» أي: ليسوا إلا في غرور؛ لأنه لا منعة لهم، ومع ذلك يعصون الله «غُرُورٍ» قيل: في باطل، وقيل: غرهم ما لا أصل له، توهمًا أن الأصنام تعصمهم «أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ» أي: لو أمسك الله الذي هو رازقكم أسباب الرزق نحو المطر والنبات، والجواب محذوف، أي: ما وجدوا رازقًا سواه، ولا في أصنامهم من يكفيهم ذلك، فكان يجب أن يعبدوه، ولا يعبدوا من لا يغني عنهم شيئًا «بَلْ لَجُّوا» أي تمادوا واستمروا في اللجاج «فِي عُتُوٍّ» أي: تعدٍّ عن الحد «وَنُفُورٍ» عن الحق، وحقيقة النفرة: الإعراض عن قِلَى «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا» قيل: ضرب مثلاً للمؤمن والكافر، عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقيل: هو على الحقيقة، فإن الكافر يحشر يوم القيامة يمشي على وجهه، عن قتادة، ومعناه: «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ» قيل: ساقطًا على وجهه، فلا يرى الطريق، ولا يقدر على المشي، وقيل: أفمن يمشي راكبًا رأسه في الضلالة كالأعمى، لا يبصر حَقًّا من باطل هو «أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» طريق واضح قيم، وهذا تقدير أن من يمشي سويًّا يعلم الطريق هو أهدى ممن لا علم له «قُلْ» يا محمد لهم «هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ» أي: أوجدكم عن عدم «وَجَعَلَ لَكمُ السَّمْعَ وَالْأبصَارَ وَالْأفئِدَةَ» وإنما خص هذه الأعضاء؛ لأنها طرق العلم، ومحله القلب، أي: أعطاكم آلات العلم فلم تتفكروا «قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ» قيل: قليلًا شكرهم على هذه النعم، وقيل: قليل من يشكره منهم «قُلْ» يا محمد «هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ» أي: خلقكم صغارًا، ثم نقلكم إلى حال التكليف. «فِي الْأَرْضِ» يحتمل من الأرض؛ لأن آدم خلق من الأرض، ويحتمل أنه أنشأكم في الأرض «وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» إلى حكمه وجزائه تجمعون، وقيل: ذرأكم في الأرض أراد الخلق للبعث يوم القيامة، ماض أراد به المستقبل، وذلك يقع في الأرض.