التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير 18 أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير 19 أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور 20 أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور 21 أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم 22 قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون 23 قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون 24}

صفحة 7013 - الجزء 10

  والإكباب: الإلقاء على الوجه، أَكَبَّ يُكِبُّ إِكْبَابًا فهو مُكِبٌّ فيما لا يتعدى، فإذا تعدى قلت: كَبَبْتُ فلانًا على وجهه، وكبه الله لوجهه، وأكَبَّ فعل غريب؛ لأن أكثر الفعل في التعدي واللزوم أن يكون على وزن أَفْعَلْتُهُ فَفَعَلَ، وهذا على ضده، يقال: كببته على وجهه فأكب، ونظيره: قشعت الريح السحاب فانقشعت.

  · المعنى: لما تقدم الوعد والوعيد عقبه بذكر ما نزل بالأمم الخالية، فقال سبحانه: «وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» يعني كذبوا وسلي «فَكيفَ كَانَ نَكيرِ» أي: كيف رأيتم إنكاري بما أنزلت عليهم من العذاب.

  ثم دل على كمال اقتداره، فقال سبحانه وتعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ» بأجنحتها وهي تطير «وَيَقْبِضْنَ» أجنحتها بعد انبساطها «مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ» أي: ما يحبسهن في الهواء في حالتي القبض والبسط إلا الرحمن سبحانه «إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ» أي: عالم، قال مجاهد وقتادة: الطير في الهواء تصف أجنحتها تارة، وتقبض تارة، وإنما دل بوقوف الطير في الهواء على هاتين الحالتين لوجوه:

  منها: أنه أعطى الطير جناحين.

  ومنها: أنه جعل ذلك على صفة إذا بسطها في الهواء تقف، ولا تقع مع ثقل الطير.

  ومنها: أنه إذا قبض جناحها وحركها لا تسقط.

  ومنها: أنه خلق الهواء وجعله على صفة يصح فيها الطيران، ومثل هذا يحتاج إلى شيئين: قادر على الأجسام والأعراض، وعالم بتفاصيل الأجزاء التي معها يصح الطيران؛ واعتمادات توجد في الهواء تمنع الطير من السقوط، وكل ذلك لا يصح إلا منه تعالى؛ لذلك قال: «إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ».