التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ن والقلم وما يسطرون 1 ما أنت بنعمة ربك بمجنون 2 وإن لك لأجرا غير ممنون 3 وإنك لعلى خلق عظيم 4 فستبصر ويبصرون 5 بأيكم المفتون 6 إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين 7 فلا تطع المكذبين 8 ودوا لو تدهن فيدهنون 9 ولا تطع كل حلاف مهين 10}

صفحة 7024 - الجزء 10

  والأرض، وقيل: أزاد بالقلم الخط والكتابة التي مر على عباده حيث علمهم بقوله: {عَلَّمَ بِالقَلَمِ}⁣[العلق: ٤]، وقيل: القسم برب نون، ورب القلم. «وَمَا يَسْطُرُونَ» أي: ما يكتبون، قيل: ما يكتب في اللوح المحفوظ، وقيل: ما تسطره الحفظة من أعمال العباد، عن أبي علي، وقيل: ما يكتبه جميع الكتبة بنو آدم وغيرهم، عن أبي مسلم. «مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ» هذا جواب القسم، يعني لما أنعم عليك من كمال العقل لست بمجنون، وقيل: بالنبوة والحكمة؛ يعني: لا يكون مجنونا مَنْ أنعمنا عليه بالنبوة والحكمة، وقيل: بعصمة ربك، وقيل: هذا كما يقال: ما أنت بمجنون، والحمد للّه، وقيل: ما أنت بمجنون، والنعمة لربك، كقولهم: سبحانك اللهم، وبحمدك، أي: والحمد لك، وهذا تقرير لنفي الجنون عنه، وقيل: إن المشركين لما أعيتهم الحيلة نسبوه إلى الجنون، فنفى الله تعالى ذلك عنه.

  ومتى قيل: كيف نسبوه إلى الجنون مع علمهم بكمال عقله؟

  قلنا: إيهامًا للعوام، وقيل: تركًا للنظر في حاله، وقيل: شبهوه بالمجنون من حيث يزعم أنه تأتيه الملائكة من السماء، ويأتيه الوحي، فلما حدثهم ما كان يبعد عن أوهامهم قالوا: هذا مجنون كما جرت العادة بين الناس أن يقال للمتكلم بمثل هذا:

  إنه مجنون.

  «وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ» أي: جَزَاءً غَيْرَ مقطوع، وهذا ثواب الجنة، يعني لا تُبالِ بكلامهم مع ما لك عند الله من الثواب الدائم، وقيل: غير ممنون، أي: لا نمن به عليك، عن أبي مسلم، وقيل: غير مكدر بالمنِّ الذي يقطع عن لزوم الشكر من قولهم: المنَّةُ تكدر الصنيعة. «وَإِنَّكَ» يا محمد «لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» قيل: على دين عظيم، وهو دين الإسلام، عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، والأصم، قيل: كان خلقه أدب القرآن، عن الحسن، وقيل: يأتمر بأمر الله وينتهي عما نهى الله عنه، عن قتادة، وقيل: الخلق العظيم: الصبر على الحق، وسعة البذل، وتدبير الأمور على مقتضى العقل بالصلاح والرفق والمداراة، وتحمل المكاره في الدعاء إلى الله تعالى،