التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 33 إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم 34 أفنجعل المسلمين كالمجرمين 35 ما لكم كيف تحكمون 36 أم لكم كتاب فيه تدرسون 37 إن لكم فيه لما تخيرون 38 أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون 39 سلهم أيهم بذلك زعيم 40 أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين 41 يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون 42 خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون 43}

صفحة 7040 - الجزء 10

  حالهم، فقال سبحانه: «كَذَلِكَ الْعَذَابُ» قيل: كذلك عذاب الدنيا ينزله الله على العصاة، عن أبي علي، وقيل: كما فعلنا بأولئك نفعل بهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تقدم ذكرهم، عن أبي مسلم، وقيل: كفعلنا بأولئك نفعل بكل ظالم متعدٍّ، والمراد بالعذاب ما نالهم من الجائحة في جنتهم، وقيل: كذلك يكون عقاب من يرد القيامة ظانًّا أنه على شيء فيجد أعماله محبطة، كهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قصدوا الجنة، فوجدوا خلاف ما ظنوا، كذلك حال جميع العصاة، وهذا من أحسن ما يستدل بالشاهد على الغائب، وقيل: كذلك نفعل بأمتك يا محمد، إذا منع الأغنياء حقوق الفقراء، فأمنعهم المطر والنبات، وأرفع عنهم البركة.

  ومتى قيل: كيف أطلق اسم العذاب على ذلك مع قوله: {كَمَا بَلَوْنَا

  قلنا: الابتداء يرجع إلى التكليف بالشكر، وإخراج حق الفقراء، فلما لم يفعلوا عوقبوا بالجائحة، وهكذا يكون العقاب على فعل العبد، لا على فعل الله تعالى، وقد قيل: إن هذا العذاب يجوز أن يكون ابتلاءً ولطفًا.

  «وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ» أي: أشد «لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» ذلك.

  ثم ذكر الوعد للمؤمنين، فقال سبحانه: «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ» يعني في الآخرة «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ» وهذا استفهام والمراد النفي؛ أي: لَا يستويان، ولا يسوَّى بينهم؛ لأنه ليس بفعل حكيم «مَا لَكُمْ كَيفَ تَحْكُمُونَ» يعني: ما أسوأ هذا الحكم؛ فكيف تحكمون به على الله أنه يفعله مع أنه حكيم لا يفعل القبيح؟! «أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ» أي: لكم كتاب تدرسون ذلك فيه، وقد قامت الحجة بذلك فتمسكتم به «إِنَّ لَكُمْ فِيهِ» في ذلك الكتاب «لَمَا تَخَيَّرُونَ» أي: لكم ما تختارون، أشار إلى أن حكم الله لا يثبت إلا بدليل، وإنما احتج عليهم بنفي الكتاب؛ لأن وعد الله ومن يغفر له ومن لا يغفر يُعْلَمُ بالسمع «أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ» عهود ومواثيق «عَلَيْنَا بَالِغَةٌ» عاهدناكم فلا ينقطع ذلك العقد إلى يوم القيامة، وقيل: البالغة: الذي يبلغ جهده في اليمين، وقيل: البالغة: اليمين بِاللَّهِ، عن أبي علي، وقيل: «إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ» أي: عهدنا أن نعطيكم ما تحكمون إلى يوم القيامة، عن أبي علي. «إِنَّ لَكُم