التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا 21 ومكروا مكرا كبارا 22 وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا 23 وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا 24 مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا 25 وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا 26 إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا 27 رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا 28}

صفحة 7105 - الجزء 10

  يصوروا، ولا شبهة أن كل من عبد الأصنام يعلم أنها لا تنفع، ولا تضر، وأنها لا تعقل، فلا بد أن يكون عبدوها إما تقربًا إلى غيرها وإما تقليدًا وجهلاً، وكل عاقل يثبت صانعًا غير شرذمة من الفلاسفة.

  ثم من أثبت الصانع اختلفوا، فمنهم موحد، ومنهم ثنوي، ومُثَلِّثٌ، ومنهم من يوجه العبادة إلى الصانع، ومنهم من يتخذ الوسائط، ثم الوسائط تختلف إلى نجم وشمس ونار وصنم، فالأقرب أن الأصل فيه أنهم صوروا هذه الأوثان وعبدوها متوسَّطًا بينهم وبين الصانع، ثم لما تطاول الزمان عبدوها، ونفى بعضهم الصانع.

  ومنها: أنه لم يهلكهم حتى علم حالهم أنهم لا يؤمنون، ولا يلدون مؤمنًا.

  ومنها: دلالتها على بطلان مذهب الْمُجْبِرَة من وجوه:

  أحدها: قوله: «عصوني».

  وثانيها: قوله: «واتبعوا».

  وثالثها: قوله: «ومكروا».

  ورابعها: قوله: «وقالوا».

  وخامسها: قوله: {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا}.

  وسادسها: قوله: {يُضِلُّوا عِبَادَكَ}، فأضاف الضلال إليهم، ودعا عليهم لما أيس من إيمانهم، وعندهم الضلال منه تعالى، ولو خلق فيهم الإيمان لآمنوا كلهم، فما معنى هذا الوبيخ عليهم؟!

  ومنها: أن سؤال المغفرة مشروط بالإيمان.

  ومنها: أن نوحًا كان نبيًّا إلى جميع أهل الأرض.