التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا 21 ومكروا مكرا كبارا 22 وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا 23 وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا 24 مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا 25 وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا 26 إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا 27 رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا 28}

صفحة 7104 - الجزء 10

  نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلاب رجالهم وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام نسائهم، وأيبس أصلاب رجالهم، أربعين سنة قبل العذاب، وقيل: سبعين سنة، وأخبر الله نوحًا أنهم لا يؤمنون، ولا يلدون مؤمنًا، فحينئذ دعا عليهم، عن محمد بن كعب، ومقاتل، والربيع، وعطاء، وابن زيد، فأجاب الله دعاءه، وأهلكهم بالطوفان، ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب، وقال الحسن وأبو العالية: أهلك الأولاد الأطفال بغير عذاب، ثم أهلكهم بالعذاب، وقيل: عم بالدعاء جميع الكفار، فَعَمَّ بالغرق، وقيل: يجوز أن يكون فيهم أطفال، فيكون ذلك لهم محنة يجب عليها العوض كالأمراض والأوجاع التي تصيب الأطفال، وقيل: يدل على أنه لم يكن فيهم صبي قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ}⁣[الفرقان: ٣٧] والأطفال لم يكذبوا.

  قلنا: العذاب لم يقع إلا على المكذبين.

  ثم دعا لنفسه وللمؤمنين، قال سبحانه: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ» وكانا مؤمنين «وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا» قيل: داري، وقيل: مسجدي، عن الضحاك. وقيل: سفينتي «وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» عامة، قيل: من أمة محمد، عن الكلبي. «وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا» هلاكًا ودمارًا.

  · الأحكام: الآيات تدل على أشياء:

  منها: قوله تعالى: «واتبعوا ....» الآية، تدل على أنه لا يجوز اتباع الرؤساء والأكابر في الدين، وإنما يجب اتباع الحجة، فتدل على بطلان التقليد.

  وتدل على أن من دعا إلى خلاف طاعة الله لا يجوز اتباعه.

  وتدل على أنه لا يجوز طاعة البغاة، ومن خرج على الإمام، خلاف قول الحشوية.

  ومنها: أنهم كانوا يعبدون الأوثان، وقد بَيَّنَّا ما روي عن المفسرين إلا أن فيه نوعَ ضعفٍ.

  ومنها: قولهم: إن الشيطان صُوِّرَ لهم، فإن ثبت فالمراد أنه وسوس إليهم بأن