قوله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا 1 يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا 2 وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا 3 وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا 4 وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا 5}
  رجل مجدود، أي: ذو حظ وغنى، وقيل: قدرة ربنا، عن ابن عباس، وقيل: ذكره، عن مجاهد، وقيل: فعله وأمره، عن الضحاك، وقيل: آلاؤه ونعمه على الخلق، عن القرظي، وقيل: علا ملك ربنا، عن الأخفش، وقيل: علا ظَفْرُهُ على كل كافر وجاحد، عن ابن كيسان، والجميع يرجع إلى معنى واحد، وهو ما ذكرناه أولاً أنه جل عظمته لقدرته، وعلمه، وغناه، وأفعاله، وآلائه، وملكه «مَا اتَّخَذَ صاحبةً وَلاَ وَلَدًا» أي: زوجة وولدًا؛ لأنه من صفات الجسم «وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ» قيل: جاهلنا، وقيل: سفيهنا هو إبليس، عن مجاهد، وقتادة «شَطَطًا» يعني قولاً عظيمًا، وافترى على الله من وصفه بما لا يليق به، وقيل: شططًا أي: بعيدًا من الصواب، وهو الكذب في توحيده وعدله «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا» أي: كنا حسبنا [أنا] على حق، وأن أحدًا لا يقول على [اللَّه] الكذب في وصفه بالولد والشريك حتى سمعنا القرآن، وَتبَيَّنَّا الحق.
  · الأحكام: الآيات تدل على أشياء:
  منها: أن الجن مكلفون.
  ومنها: أن النبي ÷ مبعوث إليهم، قال الحسن: إن الله تعالى بعث محمدًا إلى الإنس والجن، ولم يرسل رسولاً قط من الجن، ولا من أهل البادية، ولا من النساء لقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}[١٠٩].
  ومنها: أن في الجن مؤمنًا وكافرًا.
  ومنها: أنهم يعرفون لغة العرب، والفرق بين المعجز وغير المعجز.
  ومنها: أن نفرًا منهم كذلك، والباقون بخلافه.
  ومنها: دلالة قوله: {قُرْآنًا عَجَبًا} أن القرآن محدث؛ لأنه من صفات الفعل، لا يوصف به القديم.
  ومنها: أن القرآن مستقل بنفسه في الدلالة، لذلك قال: «يهدي».