التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا 1 يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا 2 وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا 3 وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا 4 وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا 5}

صفحة 7110 - الجزء 10

  وقيل: لما حرست السماء بالشهب، ورميت الشياطين بالرجوم، بعث إبليس تسعة من الجن ليعرف الأخبار، فأتوا النبي ÷، وهو يقرأ القرآن، فآمنوا، وانصرفوا داعين إلى الإسلام، عن ابن عباس.

  · المعنى: «قُلْ» يا محمد «أُوحِيَ» ذكره على ما لم يسم فاعله تفخيمًا وتعظيمًا، والله تعالى هو الذي أوحى إليه «أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ» والنفر يكون من الرجال، قيل: كانوا سبعة من نَصِيبِين، استمعوا قراءةِ النبي ÷، ورجعوا إلى قومهم «فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا» قيل معجزًا؛ لأن كلام العباد لا يتعجب منه، وقيل: أرادوا كلامًا خارجًا عن المعتاد نظمًا وفصاحة ومعنى «يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ» أي: يدل إلى الهدى ويدعو إليه، والرشد ضد الضلال «فَآمَنَّا بِهِ» أي: صدقناه «وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا» أي: بدأنا بأنفسنا فقبلنا، وتركنا الشرك، واعتقدنا التوحيد، وقيل: إنما بدؤوا بأنفسهم في الحكاية؛ لأنهم كانوا رؤساء، والعوام تتبعهم في مذاهبهم، وقيل: بل قالوا لهم نصيحة، ومن نصح غيره يبدأ بنفسه؛ ليكون غيره إلى القبول أقرب.

  واختلفوا، فقيل: لم يرهم النبي ÷؛ لذلك قال: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ}، وقيل: بل رآهم، وكانوا سبعة رهط من جن نصيبين، فأرسلهم إلى سائر الجن، وعن ابن مسعود أنه رأى قومًا من الزط، فقال: ما أشبههم بالجن الَّذِينَ رأيتهم ليلة الجن، وكان مع رسول الله ÷، فلما أخبروا عن أنفسهم بالإيمان دعوا إلى التوحيد، فقال سبحانه: «وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا» قيل: تعالت صفات الله التي هي خصوص، وهي صفات عالية ليست للمخلوقين، عن أبي مسلم، كأنه قيل: تعالت عظمته لصفاته المستحقة لم يزل ولا يزال، وقيل: عظم جلالة ربنا وعظمته، عن الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وقال أبو علي: يقال: جد فلان في بني فلان، أي: عظم، فالمعنى: جل في صفاته، فلا تجوز عليه صفات الأجسام والأعراض والحدوث والنقص، وقيل: غني ربنا، عن الحسن، وذلك يرجع إلى صفته لعظم الغني، ومنه: