التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 6 وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا 7 وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا 8 وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا 9 وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا 10}

صفحة 7115 - الجزء 10

  وقعت بين العامة الاعتصام بالجن في باب الحب والبغض، وطلب الأشياء، وعلم الغيب، وتغيير الصور، ومن جوز أن يقدر غير الله تعالى على الأجسام والصور والحياة والموت يكفر.

  ويدل قوله: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} أن اعتقادات المبطلين تنبني على الظنون دون العلم واليقين.

  ويدل قوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ} الآية أن الجن كانوا يسترقون السمع لتعرف الأخبار، وأنهم مُنِعُوا بالشهب.

  وتدل أنهم لما منعوا كانوا متوقعين أن ذلك لهلاك، أو لبعثة نبي، وأنهم تخبروا لشيئين: الشهب، والمنع من المقاعد.

  وتدل أنه كان لطفًا للجن في الانصراف عن الكفر؛ لأنهم لما رأوا ذلك داروا في الأرض، فوصلوا إلى رسول الله ÷، وآمئوا.

  وتدل أن الجن رُكِّبُوا تركيبًا تضرهم النار؛ لذلك خافوا الشهب.

  ومتى قيل: كيف توصلوا إلى استراق السمع؟

  قلنا: يحتمل أنهم صاروا بآلات أعطاهم الله تعالى إلى مواضع تجيء الملائكة فيه فيتكلمون، فيستمعون، ويلقون إلى غيرهم.

  ومتى قيل: فأي مفسدة في استراق السمع حتى مُنِعُوا منه؟

  قلنا: وجوه:

  منها: إيهامهم ضعفة الجن أنهم يعلمون الغيب؛ لأنهم إذا وجدوا الأمر كما قالوا انقادوا إليهم.

  ومنها: أنهم يجعلونه طعنًا في النبوات والمعجزات.

  ومنها: أنهم يلقون ذلك إلى الإنس بالوسوسة، فتصير شبهة.

  ومنها: أن نزول الملائكة وصعودهم يكثر أيام البعثة، وإذا التقى البعض بالبعض وذكروا من الأمور الغائبة، استمع الشياطين، فيسبقون إلى العلم به النبي ÷، فيفسدون على الضَّعَفةِ أمر النبوات.