قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 6 وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا 7 وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا 8 وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا 9 وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا 10}
  وقعت بين العامة الاعتصام بالجن في باب الحب والبغض، وطلب الأشياء، وعلم الغيب، وتغيير الصور، ومن جوز أن يقدر غير الله تعالى على الأجسام والصور والحياة والموت يكفر.
  ويدل قوله: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} أن اعتقادات المبطلين تنبني على الظنون دون العلم واليقين.
  ويدل قوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ} الآية أن الجن كانوا يسترقون السمع لتعرف الأخبار، وأنهم مُنِعُوا بالشهب.
  وتدل أنهم لما منعوا كانوا متوقعين أن ذلك لهلاك، أو لبعثة نبي، وأنهم تخبروا لشيئين: الشهب، والمنع من المقاعد.
  وتدل أنه كان لطفًا للجن في الانصراف عن الكفر؛ لأنهم لما رأوا ذلك داروا في الأرض، فوصلوا إلى رسول الله ÷، وآمئوا.
  وتدل أن الجن رُكِّبُوا تركيبًا تضرهم النار؛ لذلك خافوا الشهب.
  ومتى قيل: كيف توصلوا إلى استراق السمع؟
  قلنا: يحتمل أنهم صاروا بآلات أعطاهم الله تعالى إلى مواضع تجيء الملائكة فيه فيتكلمون، فيستمعون، ويلقون إلى غيرهم.
  ومتى قيل: فأي مفسدة في استراق السمع حتى مُنِعُوا منه؟
  قلنا: وجوه:
  منها: إيهامهم ضعفة الجن أنهم يعلمون الغيب؛ لأنهم إذا وجدوا الأمر كما قالوا انقادوا إليهم.
  ومنها: أنهم يجعلونه طعنًا في النبوات والمعجزات.
  ومنها: أنهم يلقون ذلك إلى الإنس بالوسوسة، فتصير شبهة.
  ومنها: أن نزول الملائكة وصعودهم يكثر أيام البعثة، وإذا التقى البعض بالبعض وذكروا من الأمور الغائبة، استمع الشياطين، فيسبقون إلى العلم به النبي ÷، فيفسدون على الضَّعَفةِ أمر النبوات.