قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 6 وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا 7 وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا 8 وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا 9 وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا 10}
  ابن عباس، وقتادة، وقيل: طغيانًا، عن مجاهد، وقيل: جهلاً، عن أبي علي، وقيل: هلاكًا، عن أبي مسلم، وقيل: فَرَقًا أي: خوفًا، عن الربيع، وابن زيد، وقيل: تعظيمًا وتجبرًا؛ لأنهم قالوا: سدنا الإنس والجن، عن إبراهيم، وقيل: شَرًّا، عن الحسن، وقيل: خسارًا، عن ثعلب، وقيل: زادهم الإنس ضلالاً وكفرًا - «وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا» يعني مشركي الجن ظنوا «كَمَا ظَنَنْتُمْ» أي: ظن مشركو الإنس «أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا» قيل: لا يبعثهم بعد الموت، وكانوا ينكرون البعث، عن الحسن، وقيل: لن يبعث الله أحدًا رسولاً، عن قتادة، وقيل: هذا وما قبله كلها حكاية عن الحسن، وقيل: بل هو ابتداء كلام من الله تعالى عرض بين كلام الجن «وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ» قيل: التمسنا قربها لاستراق السمع، عن أبي مسلم، وقيل: طلبنا المصير إليها، عن أبي علي. «فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا» أي: حفظة من الملائكة شداد «وَشُهُبًا» من النجوم، وقيل: إن السماء لم تحرس قط إلا لمثوبة أو عقوبة عاجلة عامة «وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا» من السماء «مَقَاعِدَ» مواضع «لِلسَّمْعِ» أي: لاستراق السمع، يعني: كان يتهيأ لنا قبل نبدأ القعود في مواضع الاستماع إلى كلام الْمَلَائِكَةِ، فنعرف ما نسمع من الغيب «فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شهابًا» أي: نارًا «رَصَدًا» قيل: طريقًا، عن أبي مسلم، وقيل: حافظًا، وقيل: إن هذه الشهب كثرت في هذه الأيام، وانتقضت العادة بها، فكانت معجزة، ومنعت الجن عن الاستماع من الملائكة؛ ليسمعوا من النبي ÷ فإنه كان مبعوثًا إليهم «وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا» قيل: هذا المنع لا ندري ألِعذابٍ سينزل بأهل الأرض؟ أو لنبي يبعث، ويهدي إلى الرشد، وأن مثل هذا لا يكون إلا لهاتين، وقيل: لا ندري أمنعوا كي لا يعلموا ما أراد الله فعله، ولا يعلموا ما يجري بين الملائكة من علم الغيب، أو أراد بهم خيرًا.
  · الأحكام: يدل قوله: {بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} أن في الجن رجالاً كما في الإنس، وأنهم يتناسلون؛ ولذلك قال: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ}[الكهف: ٥٠]، وروي عن أبي القاسم أنه ليس فيهم نسل.
  وتدل أن في الإنس من كان يميل إلى الجن، ويلوذ بهم، وذلك باطل، ومن هذا