قوله تعالى: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا 11 وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا 12 وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا 13 وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا 14 وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا 15}
  والتحري: تعمد إصابة الحق، وأصله: طلب الشيء والقصد له، وبناؤه من الفعل «تَفَعَّلَ».
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أنهم متفرقون في الدين كالإنس، فقال سبحانه: «وَأَنَّا مِنَّا» أي: من الجن «الصالحونَ» في دينهم «وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ» قيل: دون الصالح، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد. «كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا» أي: فِرَقًا شتى، وأهواء مختلفة، ومذاهب مفترقة، مسلم وكافر، وصالح ودونه، عن ابن عباس، ومجاهد وجماعة، وقيل: ألوانًا شتى، عن سعيد بن جبير، وقيل: قِدَدًا مختلفين، عن الحسن، وقيل: ضروبًا، عن الأخفش، وأبي عبيدة، وقيل: أجناسًا، عن المؤرج، وقيل: مِلَلًا، عن النضر، وقيل: شيعًا وفرقًا كل فرقة تهوى هوى كأهواء الناس، عن ابن كيسان، وقيل: كنا يهودًا ونصارى ومسلمين، وجميع ذلك متقاربة، وقيل: الجن مثل الإنس منهم قدرية مجبرة، ومرجئة، ورافضة، وشيعة، عن السدي. «وَأَنَّا ظَنَنَّا» أي: علمنا «أَن لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ» إذا أراد بنا أمرًا لا نفوته «وَلَن نُعْجِزَهُ هَرَبًا» إذا طلبنا، وقيل: المراد به الظن لما رأينا السماوات والأرض وما فيها، فأخطر الله ببالهم الأدلة، فنظروا وعرفوا، وكانوا في ابتداء الحال ظانين إلى أن علموا، والأول أولى. «وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى» قيل: القرآن الهادي إلى الحق، وقيل: التوحيد والعدل والنبوات والشرائع. «آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا» أي: نقصانًا في ثوابه «وَلاَ رَهَقًا» قيل: ظلمًا، وقيل: لا يخاف بخسًا [في] حسناته، ولا زيادة في سيئاته، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، وابن زيد، وقيل: لا يخاف أن يؤخذ بغير ذنب، ولا أن يؤخذ بذنب غيره، وقيل: رهقًا أي: مكروهًا يغشاه ويلحقه، وقيل: تبعة يؤخذ بها «وَاَنَا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ» المستسلمون لأمر الله، المنقادون له «وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ» الجائرون، العادلون عن الحق «فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا» أي: طلبوا الرشد، واهتدوا إلى الحق «وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ» الجائرون «فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا» توقد بهم النار، كما توقد بالحطب.