قوله تعالى: {وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا 11 إن لدينا أنكالا وجحيما 12 وطعاما ذا غصة وعذابا أليما 13 يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا 14 إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا 15 فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا 16 فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا 17 السماء منفطر به كان وعده مفعولا 18}
  فإني أكافئهم «أُولِي النَّعْمَةِ» يعني المتنعمة «وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا» أي: أخرهم مدة قليلة، قيل: إلى يوم بدر، فقتلوا يوم بدر، وقيل: إلى عذاب الآخرة؛ ولذلك عقبه بذكر الأنكال والجحيم «إِنَّ لَدَيْنَا» عندنا «أَنْكَالاً» قيل: قيودًا، عن قتادة، ومجاهد، وقيل: أغلالاً «وَجَحِيمًا» اسم من أسماء النار «وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ» أي: ذا شوك يأخذ بالحلق، فلا يدخل ولا يخرج، عن ابن عباس، وقيل: هو الغسلين والزقوم والضريع «وَعَذَابًا أَلِيمًا» وجيعًا، وهو سائر أنواع العذاب «يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ» أي: تحرك وتضطرب بِمَنْ عليها «وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا» أي: رملاً سائلاً متناثرًا، عن ابن عباس.
  ثم أكد الحجة، فقال سبحانه: «إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا» يعني محمدًا ÷ «شَاهِدًا عَلَيْكُمْ» قيل: يشهد عليكم في الآخرة بما يكون منكم في الدنيا، وقيل: أراد بالشهادة بيان الحق، فسماه شاهدًا لكونه مبينًا، وليس أمره ببدع؛ فقد أرسلنا رسولاً مِنْ قَبْلِهِ «كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا» يعني: موسى # «فعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا» أي: لما خالف الرسول أخذناه بالعذاب «أَخْذًا وَبِيلًا» قيل: شديدًا ثقيلًا مع كثرة جموعه وكثرة أمواله، وسعة ملكه، حذر قومه أن ينالهم مثل ما نال فرعون «فَكَيفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ» قيل: كيف تتقون ذلك العذاب يوم القيامة، والحال حال إلجاء لا ينفع أحد تندمه؛ إذ ليس ثَمَّ تكليف حتى يتلافى الفائت، وقيل: كيف تتقون ذلك العذاب ولا أحد ينجيكم ويدفع عنكم، والاتقاء: الدفع، قال الشاعر:
  سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إسْقَاطَهُ ... فَتَنَاوَلَتْهُ واتَّقَتْنَا بِالْيَدِ
  أي: دَفَعَتْنَا، وقيل: كيف لكم بالتقوى في ذلك اليوم إذا كفرتم في الدنيا، أي: لا سبيل إليه.