التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا 19 إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20}

صفحة 7146 - الجزء 10

  السدي، وقال الحسن: من قرأ مائة آية في ليله لم يحاجه القرآن، وقال كعب: من قرأ في ليله مائة آية كتب من القانتين، وقيل: خمسون آية، عن سعيد بن جبير، وقيل: أراد السور الصغار، عن أبي علي، وقيل: المراد ما تيسر من غير تقدير، وذلك يختلف بالأحوال والمكلفين، وقيل: أراد به في صلاة المغرب والعشاء، وقيل: كنى بالقراءة عن الصلاة كقوله: {وَقُرآنَ الفَجْرِ}⁣[الإسراء: ٧٨] فالتخيير في نفس الصلاة، وهذا على قول من يجعله ندبًا لا واجبًا «عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ» يعني يسافرون للتجارة وطلبا للأرباح، عن ابن عباس. «وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» يعني المجاهدين «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ» أي: المكتوبات أقيموها في أوقاتها بشرائطها وقضاء الواجب عليها، واختلفوا، فمنهم من قال: الصلاة والزكاة لم توجب بمكة وهذه الآية مدنية، ومنهم من قال: أوجبتا بمكة، فالآية مكية. «وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا» قيل: هو في بذل المال، لما أمر بالتصدق وضمن الجزاء صار كالقرض توسعًا، وهذا هو الوجه، وقيل: المراد به سائر العبادات؛ لأن المرء يتكلفه ويجب علية الثواب «حَسَنًا» قيل: يتصدق بلا مَنٍّ ولا أذى، وقيل: أن يتصدق بخير ماله دون الرديء «وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ» أي: من طاعة، وقيل: من مال ليصدق به «هُوَ خَيرًا» أي: أنفع من بقاء عينه؛ لأنه يصير لورثته، وإذا تصدق استحق ثوابًا دائمًا، وقيل: خير من الشح والتقصير «وَأَعْظَمَ أَجْرًا» أي: جزاء، فأشار إلى أن الطاعات محفوظة، لا يضيع منها شيئًا «وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ» أي: اطلبوا مغفرته بالتوبة «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» من عادته ستر الذنب وتجاوزه «رَحِيمٌ» يرحم عباده بالإثابة وأنواع النعم.

  · الأحكام: يدل قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ} أن العبد مخير ولا يصح ذلك إلا والفعل فعله، وهو يقدر عليه وعلى ضده، فيبطل من هذا الوجه قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والاستطاعة.

  ويدل قوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} على تخفيف ورد بعد التشديد، فالظاهر يليق بقول