التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا 19 إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20}

صفحة 7145 - الجزء 10

  ثم بَيَّنَ حسن طاعة أصحاب النبي ÷، وأثنى عليهم؛ ليقتدى بهم، فقال سبحانه: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ» يا محمد «تَقُومُ أَدْنَى» أي: أقرب وأقل «مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ»، وهذه المقادير لا بد أن تكون في ليال مختلفة لاستحالة اجتماعها في ليلة واحدة، فكأنه قيل: إنك تقوم في ليل ما يقرب من الثلثين، وفي ليلْ تقوم نصبفه، وفي ليل ثلثه، وعلى القراءة الأخرى قريبًا من النصف ومن الثلث «وَطَائِفَةٌ» أي: جماعة «مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ» أي: من أصحابك، وقيل: كان واجبًا، عن الحسن وجماعة، وقيل: كان نفلاً؛ ولذلك خص بعضهم، ولم [يعمم]، عن أبي علي. «وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ» قيل: يعرف حقيقة أوقاتهما ومقاديرهما على التفصيل، فأما غيره فيعلم الجملة، وربما يظن ولا يعلم، وقيل: يقدر أي: يعرفكم مقدارهما؛ لتعلموا مقدار ما تصلون فيه، وقيل: يقدر أوقاتهما؛ لتعملوا فيه على ما أمركم به «عَلِمَ أَن لَنْ تُحْصُوهُ» قيل: علم أنكم لا تعرفون مقدار أوقاته، ولا يمكنكم إحصاؤه، ولا تعلمون إذا قمتم كم مضى، وكم بقي حتى تحصوا ثلثه أو نصفه، أو، قيل: لن تطيقوا إحصاءه، عن الحسن. وهذا يعود إلى الأول، أي: لا تطيقون إحصاءه على الحقيقة، ولا حفظ مواقيت الصلاة، وقيل: «عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ» أي: لا تطيقون المداومة على قيام الليل، ويقع منكم التقصير فيه «فَتَابَ عَلَيْكُمْ» قيل: جعله تطوعًا ولم يجعله فرضًا، عن أبي علي، وقيل: نسخ عنكم فلا يوجبه عليكم، وقيل: خففه عنكم ورفع التبعة منكم «فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» قيل: في الصلاة، عن أبي مسلم، فإنه قال: أراد القيام لقراءة القرآن لا غير، وأنكر قول الجماعة وزيفه؛ لأنه ليس في الظاهر ما يدل على أنه القيام والقراءة في الصلاة، وإنما تدل التلاوة على أنه أمر بالدراسة والحفظ والقيام لهما من النوم، قال: ويدل عليه أنه أمر بعد القراءة بالصلاة، وإنما ألجأه إلى ذلك إنكاره وقوع النسخ في القرآن وهو في ذلك محجوج بالإجماع. وقيل: لما خفف وأزال التقدير شرع في القراءة «مَا تَيَسَّرَ» واختلفوا، فقيل: مائة آية، عن