قوله تعالى: {فما لهم عن التذكرة معرضين 49 كأنهم حمر مستنفرة 50 فرت من قسورة 51 بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة 52 كلا بل لا يخافون الآخرة 53 كلا إنه تذكرة 54 فمن شاء ذكره 55 وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة 56}
  وإن وعظوا، إلا أن يشاء الله فيحملهم عليه بالعقاب «هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ» أي: أهل أن تتقى معاصيه ومحارمه مع عظيم نعمه وعظيم عقابه لمن يعصيه، وأهل أن يغفر لمن أطاعه واتقى معاصيه، وقيل: هو أهل أن تتقى معاصيه؛ لأنه يغفر ذنوب من يتقيه، وقيل: أهل أن يتقى عقابه، وأهل أن يفعل ما يؤدي إلى مغفرته، وقيل: أهل أن يغفر ذنوب من تاب إليه، عن أبي علي.
  · الأحكام: يدل قوله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} على أشياء:
  منها: وجوب تدبر الآيات.
  ومنها: أن الإعراض عنها كبيرة يستحق عليها الوعيد.
  ومنها: أن الإعراض فعلُهم؛ لذلك ذمهم عليه، ولذلك قال: {فَمَا لَهُمْ}.
  ومنها: أنهم قادرون على النذير، وإن كان الأمر - كما تزعمه الْمُجْبِرَة في خلق الإعراض فيهم وسلبهم قدرة التدبر وخلق القدرة الموجبة للإعراض - لما صح قوله:
  {فَمَا لَهُمْ}؛ لأن معناه: ما الذي منعهم، والعجب أنه تعالى يقول معجبًا: ما الذي منعهم من الإيمان، وإنما أراد نفيًا للمنع، والْمُجْبِرَة تزعم أن هناك موانع كثيرة:
  منها: خلق الكفر والإعراض فيه.
  ومنها: القدرة الموجبة لها.
  ومنها: الإرادة الموجبة لها.
  ومنها: عدم القدرة على التدبر، وعدم خلق التدبر، وعدم إرادة التدبر.
  ومنها: كراهية التدبر منهم، وكل واحد منها مانع، فقد خالفوا كتاب الله في كل هذا مع مخالفتهم لكتاب الله وأوامره ونواهيه.
  ويدل قوله: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} أن العبد مخير، بخلاف قولهم.
  ويدل قوله: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ} أن الكافر يريد ما لا يكون، وإرادة ما لا يكون إرادة، وليست بتَمَنٍّ، خلاف قولهم.
  ويدل قوله: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أنه تعالى قد شاء لولاه لما لزمهم، وهذه المشيئة مشيئة التكليف، لا مشيئة الخلق.