التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فما لهم عن التذكرة معرضين 49 كأنهم حمر مستنفرة 50 فرت من قسورة 51 بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة 52 كلا بل لا يخافون الآخرة 53 كلا إنه تذكرة 54 فمن شاء ذكره 55 وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة 56}

صفحة 7172 - الجزء 10

  بذلك لأنه يقهر السباع كلها، وقيل: من ظلمة الليل، عن عكرمة، وقيل: سواد أول الليل، ولا يقال: لسواد آخره: قسورة. وقيل: من رجال أقوياء، عن زيد بن أسلم، والأقرب أنه الأسد، يعني: أعرضوا عن القرآن نفورًا كإعراض الحمر من الأسد «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا» كتبًا من السماء تنزل «مُنَشَّرَةً» قيل: كتبا إليهم بأسمائهم أن آمِنوا بمحمد، وقيل: أرادوا أن يكون كل واحد منهم رسولاً يوحى إليه متبوعًا، وأنِفوا أن يكونوا تبعًا، وقيل: براءة لهم من العذاب، وإسباغ النعمة ليؤمنوا، وإلا أصروا على كفرهم، وقيل: تمنوا كتابًا إليهم بأن لهم ما يحبون ويشتهون دون ما يأمرهم به محمد ÷. وقيل: أرادوا كتاب أعمالهم لينظروا فيه أَمِنْ أهل الجنة أم من أهل النار؟. وقيل: تفسير ما طلبوا في قوله: {وَلَنْ نُّؤمِنَ لِرُقِيِّكَ}⁣[الإسراء: ٩٣] الآية، «كَلَّا» قيل: ليس كما تقولون وتريدون، ولا يكون كذلك، وقيل: زجرًا لهمْ، أي: لا تطلبوا ذلك، وقيل: معناه: حقًا «بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ» قيل: لا يظنونها ولا يؤمنون بها، ولا يقرون بكونها، عن أبي مسلم، وقيل: لا يخافون عذابها ولو خافوا لما عذبوا الرسل، عن أبي علي. «كَلَّا» أي: لا نفعل مثل ذلك، فليس الأمر كما قدروا، وقيل: حقًا «إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ» أي: عظة يتعظ بها المكلف قيل: القرآن، وقيل: ما تقدم «فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ» واتعظ به «وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» يعني لا يتدبرون فيه إلا أن يشاء الله، هذه المشيئة غير الأولى؛ إذ لو كانت واحدة لتناقض، فالأولى مشيئة اختيار، والثانية مشيئة إكراه وإجبار، يعني: هَؤُلَاءِ الكفار لا يذكرون إلا أن يجبرهم الله تعالى على ذلك، وقيل: لا يذكرون الله ذكرًا يستحقون به الثواب، والله تعالى لا يشاء الثواب للكافر؛ إذ لم يشأ الكافر لنفسه؛ إذ لو يشاء لأطاع، فإن الثواب بنفس المشيئة لا يحصل، وإنما يكون بالطاعة، فإذا لم يطيعوا لم يشأ الله ثوابهم، وقيل: إلا أن يشاء الله إقدارهم وتمكينهم، وقد فعل، وقيل: إلا أن يشاء الله من حيث أمر به، ووعد عليه، ونهى عن تركه، وأوعد عليه، فكانت مشيئته سابقة، أي: لا يشاؤون إلا والله قد شاء ذلك، وقيل: هو وعيد، أي: لا يشاؤون اختيارًا،