قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا 1 إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا 2 إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا 3 إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا 4 إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا 5 عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا 6}
  في الجنة. قيل: يجوز أن يكون لكل أحد عين، ويجوز أن يكون الأصل واحدًا فيتفجر منها الأنهارة «عِبَادُ اللَّهِ» هذه إضافة تخصيص وتشريف؛ لأن الخلق كلهم عباده «يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا» قيل: يقودونها حيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم، عن مجاهد. وقيل: إذا أراد المؤمن أن يتناوله من موضعه خط فيه خطّا فينبع الماء من ذلك الموضع بأن يجريه الله إليه. وفي قوله: «يُفَجِّرُونَهَا» إشارة إلى كثرته.
  · الأحكام: يدل قوله: {عَلَى الْإِنْسَانِ} أنه يسمى إنسانًا إذا كان مصورًا، وإن لم يكن فيه حياة.
  ويدل أنه كان مدة شيئًا غير مذكور، فالفائدة فيه لطفٌ للمكلفين.
  ويدل أنه كان شيئًا إلا أنه لم يكن مذكورًا باسم يخصه.
  ومتى قيل: هلا قلتم: إنه يكون لطفًا له؟
  قلنا: لأن اللطف لا يجوز أن يتقدم على التكليف بأوقات؛ لأنه يصير في حكم المنسيين، وإنما اختلفوا هل يتقدم الفعل أم لا؟، فعند أبي هاشم: يجوز إذا لم يكن في حكم المنسيين، وعند أبي علي: لا يجوز.
  ويدل قوله: {إِنَّا خَلَقْنَا} أنه خلق بني آدم من نطفة، وفيه تنبيه على كمال قدرته بلطيف صنعه، وعلى نعمه على عباده من تصغير نفسهم لكي يتجنبوا الكبر.
  ويدل قوله: {نَبْتَلِيهِ} أنه خلقهم للتكليف على ما نقول؛ ولذلك عقبه بذكر إزاحة العلة والهداية.
  ويدل قوله: {هَدَيْنَاهُ} أنَّه هدى الكل، ثم هم صاروا إما شاكرين، أو كافرين، بخلاف قول الْمُجْبِرَةِ.
  ومتى قيل: فوجب أن يكون في المكلفين غير هذين؟
  قلنا: كذا نقول، فالكافر كفور بنعم ربه، والمؤمن شاكر لربه قولاً واعتقادًا