التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن المتقين في ظلال وعيون 41 وفواكه مما يشتهون 42 كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون 43 إنا كذلك نجزي المحسنين 44 ويل يومئذ للمكذبين 45 كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون 46 ويل يومئذ للمكذبين 47 وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون 48 ويل يومئذ للمكذبين 49 فبأي حديث بعده يؤمنون 50}

صفحة 7241 - الجزء 10

  · النزول: قيل: نزل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا} في ثقيف، أمرهم رسول الله ÷ بالصلاة فقالوا: لا ننحني، فإنها سيئة علينا، فقال ÷: «لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود»، عن مقاتل.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى صفة الجنة بعدما تقدم وصف النار، فقال سبحانه: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ» الَّذِينَ يجتنبون الكبائر «فِي ظِلاَلٍ» يعني ظل الجنة، وقيل: في ظل الأشجار والقصور «وَعُيُونٍ» أي: أنهار جارية تراها العيون «وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ» ويقال لهم على وجه الإكرام: «كُلُوا وَاشْرَبُوا» من طعام الجنة وشرابها، قيل: هو إباحة، وليس بأمر، عن أبي علي، ولا يريد ذلك عنده، وقيل: إنه أمر، ويريد ذلك لأنه ثواب، ويزيد في سرورهم، عن أبي هاشم، وهو اختيار القاضي، وقيل: تقوله الملائكة لهم «هَنِيئًا» أي: خالصًا لا أذى فيه ولا تكدير «بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» أي: جزاء على أعمالكم «إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ» قيل: مثل هذا نجزي المحسنين، وقيل: كما جزينا أولئك على أعمالهم نجزي كل محسن «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» بهذا الوعد، وويل لهم إذا تركوا عمل المحسنين.

  ثم عاد الكلام إلى المكذبين، فقال سبحانه: «كُلُوا» أي: يقال لهم: كلوا «وَتَمَتَّعُوا» في الدنيا فإنه لا ينفعكم، ولا يغني عنكم من العذاب شيء، وهذا وعيد لهم، والوعيد استحقوا بترك الواجبات، والاشتغال عن حقوق الله تعالى؛ ولذا فالأكل المباح لا يستحق عليه الوعيد «قَلِيلًا» يعني ذلك قليل بالإضافة إلى الآخرة، وقيل: مدة قليلة؛ لأن الموت كائن لا محالة «إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ» قيل: مشركون، وقيل: مذنبون، وقيل: من كان همته بطنه وفرجه فهو خاسر محروم «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» بهذا الوعيد «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا» قيل: يقال لهم هذا في الدنيا إذا أمروا بالصلاة،