قوله تعالى: {إن يوم الفصل كان ميقاتا 17 يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا 18 وفتحت السماء فكانت أبوابا 19 وسيرت الجبال فكانت سرابا 20 إن جهنم كانت مرصادا 21 للطاغين مآبا 22 لابثين فيها أحقابا 23 لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا 24 إلا حميما وغساقا 25 جزاء وفاقا 26 إنهم كانوا لا يرجون حسابا 27 وكذبوا بآياتنا كذابا 28 وكل شيء أحصيناه كتابا 29 فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا 30}
  ولكن كما يقال: أعوامًا وسنين، ولا يراد التقدير «لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا» أي: في جهنم «بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا»، قيل: لا يجدون لما يشربون بردًا، وقيل: لا ينالهم برد ليدفع به حر النار، ولا شراب أي: ولا يذوقون شرابًا يستروحون إليه، وقيل: «بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا»، أي: روحًا وراحة، عن الحسن، وعطاء، وقيل: لا يذوقون بردًا يدفع حر النار، ولا شرابًا يدفع العطش، وقيل: البرد هاهنا النوم، تقول العرب: منع البرد من البرد، أي: من النوم، وإنما سمي النوم بردًا؛ لأن النائم يبرد بدنه «إِلَّا حَمِيمًا» وهو الماء الحار، قيل: استثني من الشراب الحميم، وهو الحار المنتهي حرارته، ومن البرد الغساق، وهو الزمهرير الخارج في البرودة عن الحد «وَغَسَّاقًا» قيل: صديد أهل النار، عن إبراهيم، وقتادة، وعطية، وعكرمة، من قولهم: غسقت القرحة تغسق غسقًا: إذا سال صديدها، وقيل: دموع أهل النار، عن الثمالي، قيل: والغساقُ: الزمهريرُ، وقيل: الغساق المظلم، مأخوذ من لفظ الغسق، يعني شرابًا أسود، لا يسوغ في الحلق، عن أبي مسلم، وقيل: غساق واد في جهنم، عن شهر بن حوشب. «جَزَاءً» يعني ذلك مكافأة لهم على أعمالهم «وِفَاقًا» أي: وافق أعمالهم وفاقًا، قيل: جزاء بحسب أعمالهم، عن الربيع، والضحاك، وقيل: وافق الجزاء أعمالهم، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والربيع، وقيل: لما عظمت ذنوبهم وهو الكفر عظم عقابهم، عن مقاتل، وقيل: كانت أعمالهم سيئة، فجازاهم بما يسوؤهم، عن الحسن.
  ومتى قيل: كيف يكون وفاق الذنب، وهو منقطع، والعقاب دائم؟
  قلنا: قيل: في العصيان نوع استحقاق بأمر الآمر، ونهي الناهي، فعظم ذلك؛ ولذلك لا يؤخذ الخاطئ والساهي.
  وقيل: لما عظمت مواقع نعمه عظمت معاصيه في جنبه، كعصيان الولد لوالده الشفيق، فتكون أعظم من عصيان الأجنبي.
  وقيل: العقاب لا يُقَدَّرُ بالوقت؛ ألا ترى أنه يحسن منا ذم فرعون، وإن طالت المدة، والذم يجري مجرى العقاب.
  ثم بَيَّنَ وجه طغيانهم، فقال سبحانه: «إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا» قيل: لا يرجون لتكذيبهم جزاء وحسابًا، وقيل: لا يرجون ثواب حساب، وقيل: لا يخافون