قوله تعالى: {إن يوم الفصل كان ميقاتا 17 يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا 18 وفتحت السماء فكانت أبوابا 19 وسيرت الجبال فكانت سرابا 20 إن جهنم كانت مرصادا 21 للطاغين مآبا 22 لابثين فيها أحقابا 23 لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا 24 إلا حميما وغساقا 25 جزاء وفاقا 26 إنهم كانوا لا يرجون حسابا 27 وكذبوا بآياتنا كذابا 28 وكل شيء أحصيناه كتابا 29 فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا 30}
  يعني كالسراب، يظن أنه جبل، وليس بشيء، وقيل: كالسراب في خفة زوالها «إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا» أيْ: طريقًا منصوبة على العاصين، فهو موردهم، ومنهلهم، وكل شيء يكون منصوبًا على الطريق لمورد غيره فهو رَصَدٌ له، فأشار إلى أن جهنم للعصاة على الرصد لا يفوتونه، وقيل: مرصادًا محبسًا، عن مقاتل. «لِلطَّاغِينَ مَآبًا» أي: لمن جاوز حد الله مصيرًا ومرجعًا «لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا» أي: مقيمين فيها أزمانا ودهورًا لا انقضاء لها، فحذف للعلم بحال أهل النار بآيات أخر، وقيل: «لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا» وإنْ كان كونهم فيها لا يتناهى، فكأنهم يعذبون مرة بالنار فلا يذوقون شيئًا، ومرة بالحميم والغساق، ومرة بالزمهرير وغيرها، واختلفوا في معنى الحقب، فقال بعضهم: ليس له حد معلوم؛ وإنما هو اسم الزمان والدهر، وعن ابن مسعود: لا يعلم الأحقاب إلا الله، وعن الحسن: أن الله سبحانه لم يذكر شيئا إلا وجعل له مدة ينقطع إليها، ولم يجعل لأهل النار مدة، بل قال: «لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا» فوالله ما هو إلا أنه إذا مضى حُقُبٌ دخل حقب آخر، ثم آخر، كذلك أبد الآبدين، فليس للأحقاب مدة إلا الخلود في النار، ولكن ذكروا لنا أن الحقب سبعون ألف سنة، كل يوم كألف سنة مما تعدون، وقال بعضهم: الحقب محدود، ثم اختلفوا، وقيل: أربعون سنة، كل يوم منها ألف سنة، عن عبد الله بن عمر، وقيل: ثمانون سنة، كل سنة اثنا عشر شهرًا، كل شهر ثلاثون يومًا، كل يوم ألف سنة، وقيل: بضع وثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم ألف سنة مما تعدون، رواه ابن عمر مرفوعًا. وقال ÷: «لا يتكل أحدكم على أن يخرج من النار». وقيل: الحُقُبُ ثلاثمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يومًا، كل يوم ألف سنة، عن بشير بن كعب. وقيل: الأحقاب: ثلاثة وأربعون حقبًا، كل حقب سبعون خريفًا، كل خريف سبعمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يومًا، كل يوم ألف سنة. وقيل: سبعون ألف سنة، عن الحسن، قال: وكل يوم كألف سنة مما تعدون. وقيل: الحقب الواحد سبعة عشر ألف سنة، عن مقاتل، قال: وهذه الآية نسخها قوله: «فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا» فالعدد قد ارتفع، والخلود قد حصل، والصحيح أنه لم يذكر ذلك الحد،