التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون 221}

صفحة 891 - الجزء 1

  والصحيح أن تحريم الكتابيات منسوخ؛ لأن هذه الآية متقدمة، وآية المائدة متأخرة، ولا يحمل على التخصيص؛ لأن تأخير البيان لا يجوز عن وقت الخطاب.

  واختلفوا في نكاح الأمة الكتابية، فعندنا يجوز أن يتزوج بها، وقال الشافعي: لا يجوز، وإذا جاز وطْؤُها بملك اليمين جاز بعقد النكاح كالمسلمة، وعكسه الوثنية.

  وتدل الآية على جواز نكاح الأمة مع القدرة على طَوْلِ الحرة؛ لأن من قدر على طَوْلِ حرة كتابية قدر على طَوْلِ مسلمة؛ لأن حكم المهر لا يختلف، عن أبي علي.

  وتدل على تحريم تزويج الكافر بالمسلمة، وهي عامة بالإجماع «أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ» تعليل لهذا؛ لأن الغالب أن الزوج يدعو زوجته إلى دينه.

  ويدل قوله: «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» أنه أراد من عباده التذكر، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في الإرادة.

  وتدل على أن العبد المؤمن خير من الحر المشرك، والظاهر أن المراد بالإيمان التصديق لجواز نكاح الفاسق والفاسقة، ولأن حقيقة المؤمن المستحق الثواب لا تعلم، فلا يجوز أن يقف عقد النكاح عليه.

  فإن قيل: فكيف علل بأن المشرك يدعو إلى النار، والكتابية كذلك؟

  قلنا: فيه وجوه:

  أحدها: أنه تعليل لمنع نكاح المسلمة من الكافر، والغالب أنه يدعوها إلى دينه، وأن الرجل لا يتبعها في دينها.

  وثانيها: أنها تدعو بما هي عليه من الكفر إلى التقصير في الجهاد، وأهل الكتاب متى كانوا ذمة يسقط فيهم فرض القتال.

  وثالثها: أن ذلك على العموم وكان في ابتداء الإسلام حيث أمر بمناصبة الحرب والعداوة للكفار فمنع من النكاح لئلا يؤثر ألفة النكاح فيما يجب من العداوة، فلما قوي الإسلام، وصار أهل الكتاب ذمة لنا أبيح التزويج بهن؛ لأن الفساد مأمون.